Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الأدب والشعر

إلى إشعار آخر

شريفة راشد القطيطي

شريفة راشد القطيطي

ما بين نفسٍ ونفسٍ ألفُ رغبةٍ لاقتناءِ المجد، ما بين اشتهاءٍ وترددٍ ألفُ ثباتٍ لتظلَّ محاذيًا للحذر، ويُلفُّ ألفُ حبلٍ على رقبتك في وطنك ولكنك لا تختنق؛ لأن الوطنَ أمٌّ لا يمكن أن تُلفظ أنفاسُك، تيأسُ وتتحطمُ وتفقدُ غايتك قد يكون، ولكن في الغربةِ لا غايةَ لك لتفقدها، ولا مسارَ يوصلك لأيِّ شيء؛ هو العيشُ فقط مدهونٌ برذاذِ الذلِّ دون أن تعرفَ من أنت ولماذا وجدتَ نفسك هنا؟ وقتها تختنقُ بأنفاسِ الغربةِ مهما كان وضعُك هينًا.

الميراثُ الحقيقي من رحيلِ الأماني أن تنتظرَ صفوكَ يعبرُ المهالكَ وتستشعرَ الرؤوسَ التي أينعتْ وحان قطافُها، قد يثمرُ انحصارُك عن البشرِ خاصيةَ التوهج، وقد ينتصرون عليكَ ويثبتون لكَ أن غيابَهم عنك لا يفرقُ لديهم شيئًا، عُلقتْ الأماني والقلبُ إلى إشعارٍ آخر، وتوغلتْ آثارُك لمدائنِ البؤسِ وعُطلتْ أجراسُها، غريبًا كي تكونَ من الحاضرين لمشانقِ الترف، وتغدو بين عشيةٍ وضحاها سائقَ العربةِ التي تنقلُ الموتى لنقاطِ ضعفِهم.

يعتقدُ الباحثون عن نبضٍ ساترٍ أن الأماني ستواصلُ إلى أن تجلبَ المحبوبَ لشرفةِ قلبِك وطراوةِ لسانِك، وأن المقتدرَ نفسيًا يُمَنِّي النفسَ اكتراثًا وتغطيةً لشعورٍ يأخذُ القلبَ في وعكةٍ ويُطلقُ عليه رصاصَ الشوق، والمواقيتُ التي نعدُها باءتْ بالفشل ووجدَ المحبوبُ طريقًا آخر، لن نطلقَ أعمارَنا تجربةً للزمن، ولن نبعدَ أحلامَنا أيضًا، ولن نتلقى إشعاراتٍ مخذولة، ولن نتركَ القَليلولةَ التي يحلمُ بها كلُّ المتعبين من براءةِ الذئبِ من دمِ ابنِ يعقوب.

لا مجالَ أن نستوردَ عواطفَ باردةً وخفقاتٍ منهكةً، وأن نشتري استرسالًا غامضًا لا تعلمُ معناَه ولا تفهمُ مقاصدَه، تأتي بعمرِ الليلِ قصيرًا ويدهُ ثالجة، وتحفرُ نهايةَ قدرِك بورقةٍ فارغةٍ قد تحتاجُها لمسحِ دماءِ خجلِك من تجريحٍ باطلٍ ومسارٍ عاطل، قد نحتاجُ استفسارًا يشملُ الصمتَ والتسليمَ بالواقع، وقد نحتاجُ توغلًا لشرحِ ذلك الاستسلام، وكتابةَ نهايةٍ جميلةٍ للقصة، وعبارةً تُهونُ مأساةَ قلبِك إلى إشعارٍ آخر قد يُغيرُ الحبكةَ وتتناثرُ من سطورِه الملكات، قد يأتي قلبٌ في آخرِ العمرِ يُبدلُ صفحتَك البيضاءَ لكلماتٍ راقيةٍ وحضورٍ جيد، ولكن تنالُ منه التصفيقَ فقط ذوقَ اللجوءِ لذاته المثقلةِ بهرجٍ ومرجٍ السنين.

قادمةٌ أيتها الحياةُ لبرمجةِ الحضورِ الصامت، أتبعُ خطواتِكِ الثكلى وأتعودُ على نهارِكِ القابضِ للوقتِ وأعدُّ لليلِ حكايةً مذهلةً، لن تهزمني الأماني التي تنقضي بلا تودد، ولن أتركَ نصيبًا للعيشِ معكِ تحتَ ثواني العبقِ الذي كم حلمنا به، وأتينا بقلبينا مجهدَين من وسامتكِ وتركنا خلفَ الحلولِ علامةَ استفهام، وبات كلُّ شيءٍ يرمزُ إليها بالصمت، ولم أعدْ أدركُ خوفَكِ من سعادتِكِ، ولم يتحددْ بعدُ موعدُ اللقيا ليشتدَّ ساعدُ الوقتِ ويُقلدَ إشعاراتٍ لم تُحددْ موصلَ البُعدِ من عدمِه، ولن يتركَ استبشارًا يهمسُ في أذني يعدُّ من الواحدِ إلى العشرة، وسنكملُ العامين ونحن نشمُّ أرضًا يانعةً ينبتُ فيها الياسمينُ ويُقتلُ فيها العطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى