الأدب والشعر

مذكرات الولد الشقي ..سوق البريمي

فايل المطاعني

فايل المطاعني

ما أجمل الصيف حين تحل الإجازة المدرسية! بالنسبة للكثير من الأولاد، تعني الإجازة النوم المتأخر، واللعب مع الأصدقاء، والاستمتاع بالحرية بعيدًا عن جرس الحصة الأولى. لكن بالنسبة لي، كانت الإجازة شيئًا مختلفًا تمامًا… فقد كنت أجد نفسي يوميًا أرافق والدي إلى سوق البريمي، حيث كان يبيع الرطب تحت شمس الصيف الحارقة. لا راحة، ولا كسل، بل يوميات حافلة بالعرق والمواقف الغريبة، وأحيانًا المحرجة!

 

كنت أنا المسؤول عن “العَرَبة” – تلك العربة المعدنية التي تصدر أصوات صرير غريبة وكأنها تعاني من أزمة منتصف العمر. أجرّها بكل فخر، وأعرض الرطب وكأني تاجر مخضرم في سوق بورصة التمور.

 

وفي صباح أحد الأيام، قرر والدي – مشكورًا – أن يمنحني شرف المسؤولية الكاملة. قال لي: “أنا رايح أجيب فطور من الهندي، انتبه للعَرَبة والرطب، وخلك رجال”.

نفخت صدري حتى كدت أطيح باللبان اللي في جيبي، ووقفت عند العربة كأني بواب قصر من قصور ألف ليلة وليلة.

مرت الدقائق… وأنا أتخيل نفسي مليونير الرطب، وبدأت أمارس فن التسويق:

“رطب خلاص، حلو مثل سكر، بس اليوم بلاش التجربة!”

وكانت هناك عجوز تساومني على السعر كأننا في مزاد، ولم تكن تعلم أنني لا أملك حتى قيمة الماء الذي أشربه!

وفي لحظة غفلة، جاء شاب على دراجة هوائية، توقف، تبسم، وسألني عن نوع الرطب. قلت له: “هذا خلاص، من مزرعتنا”.

قال: “أعطني شوي أجربه…”

ناولته حفنة، أخذها، ثم ابتسم وقال: “زين، باخذ أكثر”.

وفجأة، مد يده، أمسك بحفنتين، ثم ركب الدراجة وهرب مثل البرق!

وقفت مذهولًا، يدي لا تزال ممدودة، وعيناي تلاحقانه وهو يتلاشى في الأفق وكأنها مشهد من فيلم أكشن رخيص.. جريت خلفه وصرخت: “يا حرامي الرطب! وقف!”

لكن لا أحد تحرك، بل أحدهم صرخ من بعيد: “خلّه، تو الناس، أول درب السرقة!”

رجعت إلى العربة وأنا أشعر أنني فشلت في أول مهمة بطولية لي. . ولما عاد أبي، نظر إلى الوجبة الناقصة، ثم إليّ، وقال بلهجته المعروفة: “شو صار؟”

رددت بخجل: “باعينا وما شرى…”

ضحك ضحكة طويلة، ثم قال: “هذي أول خسارة تجارية، وبتتعلم منها كثير!”

وأنا من داخلي، أقسمت أن لا أثق بأي شخص يبتسم أكثر من اللازم!

منذ ذلك اليوم، صرت أكثر حذرًا، وصارت كل عربة أرزق بها بمثابة ساحة معركة.

تعلمت أن الحياة في السوق ليست فقط بيعًا وشراء، بل دروس في الذكاء، الحذر، وأحيانًا… الركض خلف دراجات مسرعة!

وهكذا طويت صفحة من مذكراتي الصيفية، وبقيت “سرقة الرطب” نقطة سوداء في سجلي التجاري، لكنها نقطة… أضحك عليها كلما تذكرتها!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى