الكبسولة


محمد رياني
منبِّهُ جدولِ الرحلاتِ حولَ معصمِه يُنبهُه إلى أقترابِ موعدِ رحلتِه لزيارةِ صديقِه في مشرقِ الشمس ، على الفورِ أدارَ محركَ الكبسولةِ ولم يحتجْ لكثيرٍ من الوقت؛ فطريقةُ تشغيلِها سهلةٌ ومرنةٌ وعبرَ لمسةٍ واحدةٍ على الآلةِ الدقيقةِ حولَ معصمِه والتي تقومُ بدورِ الساعةِ وأجهزةِ الاتصالِ والتنبيهِ وقراءةِ ورصدِ حالةِ الجوِّ وأخبارِ الفضاءِ وأخبارِ أصدقائِه على الأرضِ وحولَ النجوم ، لديه شغفٌ بدراسةِ اللغةِ ذاتِ الأشكالِ الهندسيةِ أوالتي يراها مزركشة ، يدرسُ عن بُعدٍ في كليةٍ تهتمُّ بتقنيةِ حركةِ الملاحةِ الجويةِ وازدحامِ المركباتِ في السماء ، أرسلَ إليه صديقُه من المشرقِ صورةَ وجبةِ الإفطارِ التي سيفطران بها سويًّا، يحتاجُ بضعَ دقائقَ لاتتجاوزُ السبعَ حتى يصلَ عنده حسب لغةِ الجهازِ في الكبسولةِ المبرمج ، عندما صعدَ على إرتفاع 33000قدمٍ ظهرتْ على جوانبِ الكبسولةِ عدةُ تنبيهات ، قلقٌ شديدٌ أصابَه خشيةَ الأصطدامِ في ظلِّ زحمةِ الحركةِ الجويةِ ، علامةُ الاسترشادِ دعتْه لأن يهبطَ على مستوىً أدنى كي يتمكنَ من ضبطِ التوجيهِ إلى نقطةِ الوصولِ بدقةٍ عاليةٍ ومن ثمَّ تجعله يهبطُ في فناءِ منزلِ صديقه بكلِّ يسرٍ وسهولة، فعل ما أوصاه به منبهُ التحذيرِ والإرشاد ، رأى فناءَ المنزلِ كما صوَّرَهُ صديقه ، أرتفع بسرعةٍ عاليةٍ وانطلقَ بسرعةٍ أعلى ، بقيتْ دقيقةٌ واحدةٌ على زمنِ وصوله، تأخرَ 30ثانية ، رآه في الشاشةِ يلوِّحُ له بيده، هبطَ بسلام، قال له معاتبًا وحازمًا بلغتِه المعقدةِ التي تدرَّبَ على استعمالها : لقد تأخرتَ كثيرًا، بردتْ وجبةُ الإفطارِ وأنا أنتظرك ، تناولاها تحتَ جسمِ الكبسولةِ كي تقيهما من وابلِ المطر ، أقترح المشرقي على صديقِه الزائرِ أن يستبدلَ الكبسولةَ بأخرى أسرع ، شهقَ وهل هناك أسرعُ من تلك التي أمتلكُها وأعدُّها الأسرعَ في العالم؟ قال له : يمكنك استبدالُها بأخرى أسرعَ دون أخذِ فوائدَ منك، لمسَ صديقُه جهازَ الكمبيوترِ الصغيرِ الذي يحتفظُ به في جيبه العلوي ، ظهرتْ بعد ثوانٍ في الفضاءِ القريبِ كبسولةٌ عملاقةٌ تقتربُ من السطح ، هبطتْ بقوةٍ حتى كادتْ أن تخرقَ الأرض، طارتْ كبسولتُه وصعدَ إلى العملاقِ الطائرِ الجديدِ ومعه صديقه ، ضغطَ بنفسِه على عنوانِ البيتِ في جهةِ الغروب ، رافقَه وهو يشرحُ له الجديدَ في نظامِ المرورِ الجويِّ ، رنَّ جرسٌ لم يسمعْ مثله من قبل، رأى المهبطَ الذي اعتاد عليه، قال له: هذا بيتي ياصديقي أبتسم وهو ينظرُ في جهازه، لقد رآه من قبل عندما كانا يتراسلان، اتفقا على أن تناولِ الغداءِ على شاطئ الريفيرا، لم يصدِّقا نفسيْهما أنهما سيتناولان وجبةَ شواءٍ بحريةٍ لذيذةٍ بالطعمِ الحرَّاق مع شرائحِ الليمونِ في منتجعِ الرفيرا ، ظهرتْ على الجوانبِ المضيئةِ من الكبسولةِ عباراتُ تهنئة ، لقد بعثتْ له أختُه رسائلَ تهنئةٍ بمناسبةِ الكبسولةِ الجديدةِ تحملُ توقيعَها، لقد عرفتْ ذلك من خلال جهازِ كمبيوترِها الكفِّي عندما كانت تفتحُ خارطةَ المِلاحة ، مازحتْه كعادتِها عندما قالت له: أنتبه لنفسكَ وصديقكَ معك ولاتنسَ أن تُحضرَ لي بعضَ الفَطائرِ الإيطاليةِ معك، قال لصديقه ممازحًا :هذه أختي تريدُ أن يصلَ غداؤها ساخنًا، هزَّ رأسَه ضاحكًا وقد أختفتْ عيناه من وجهه، بعثَ إليها يشكرُها ثم أرسلَ للمطعمِ الإيطالي كي يُعدَّ الفطيرةَ التي تُحبُّها أختُه، جاءه الردُّ سريعاً، فالمطعمُ قد وصلَه إشعارٌ مماثلٌ بمجردِ أن ذُكر اسمُه على شاشاتِ الكمبيوتر، أخبرها بمقطعٍ صوتيٍّ بأنَّ الوجبةَ جاهزة، عليك أن تجهزي السفرة، ربما أتناولُ الفطائرَ معك بعد أن أوصلَ صديقي الياباني.