Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الأدب والشعر

الغرباء

لمياء عبدالله النفيعي

لمياء عبدالله النفيعي

رن هاتفها في هزيع الليل، وقفزتْ من سريرها والهلع يمتلكها، وقلبها يخفق من الفزع، ردت بسرعة ثم شهقت وقطرات الدموع تنهمر على وجنتيها، ورمت الهاتف وأسرعت بتجهيز نفسها، وساقيها لا تساعدها من شدة الخوف، أغلقت باب منزلها بشدة وركبت السيارة، وهي تبتهل إلى الله أن تصل قبل فوات الأوان، حالما وصلت، صعدت السلالم بكل قوة، تبلع ريقها، والعرق يتصبب منها، ثم وقفت أمام الباب لا تعلم أي اتجاه؟ يمين أم يسار!

 

هتف صوت “من هنا !” نظرت فزعة باتجاه الصوت وقلبها يدوي كقرع الطبول، فمشت تلحقه بخطوات متسارعة بين الممرات، تعثرت بالكراسي عدة مرات، وتبعثرت أشياءها فانحنت لتلتقطها وهي تهمس “هل هذا وقته !”، والصوت يهتف “هيا، أسرعي !” وسارت خلفه.

 

وإذ بها عند الباب، وفتحه بهدوء مشيرًا إليها بيده للدخول، ولجت إلى غرفة شبه مظلمة يشع منها نور خافت، وتفوح رائحة المعقمات، وصفير نبضات قلبها يصدر من الجهاز، والمحاليل مغروسة في ذراعها، وأنبوب الاوكسجين مثبت عند فتحتي أنفها، والمجسات مثبتة على صدرها، وهي ممدة كالموتى على السرير، فشعرت بها ونظرت إليها بطرف عينيها بصعوبة، وحركت أصابعها تُشير إليها بالاقتراب منها، شعرت في تلك اللحظة بألمٍ حارق يغرس أنيابه في قلبها، فاقتربت منها مبتسمة برغم الدموع الحبيسة في عينيها، وتأملت وجهها الدامي، وشهق قلبها من الخوف عندما اقتربت منها أكثر، رأت في عينيها شيئًا مخيفًا، لقد رأت شبح الموت يكتسي ملامحها، لمست يديها الباردتين بقوة محاولة لتدفئتها، همست بصوت مُجهد” لا تبالي بيديِّ ! اقتربي مني أكثر، لأروي لكِ حكاية، قد تكتبينها في الصحيفة يومًا ما، وربما تكون عبرة لغيري!”.

 

أخذت تتنفس بعمق والعرق يتصبب من وجهها، وتسعل بقوة، فتحتْ لها قارورة الماء ورشفت منها قليلا، وضحكت ضحكة مكتومة وهمست ” لا تخافي لن أموت قبل أن أقُص عليك..هَلُمَّي إليِّ .. وأنصتِ.. كانت هناك بلاد مترامية الأطراف يسودها العدل والمساواة يعيش رجالها ونسائها في وئام، فالمرأة لها مكانة مرموقة في المجتمع، لأنها مساندة في وقت الشدائد، مواسية في الأحزان، مشاركة في الأفراح، طبيبة عند الأوجاع، ممرضة عند المرض، صانعة الأجيال، وملكة في عرشها، يُفخر بها، ورأيها مسموع، وحقها مشروع، لأن بينهم ميثاق غليظ، شروطها المودة والرحمة، والعشرة بالمعروف، والعفو عند المقدرة، محو الخطأ من أجل الود، والتغاضي عن سفاسف الأمور لتسير عجلة الحياة، والاعتذار وجبر الخواطر، والاعتراف بالفضل الذي بينهم، وظلوا زمنًا وهم غارقين في تلك النعم، وذات يوم انقلبت حياتهم رأس على عقب حين وفد إليهم غرباء طالبين اللجوء والعيش معهم بسلام، وتغير حالهم منذ قدومهم باتت المرأة مضطهدة، مكتئبة، مكسورة الخاطر، وحزينة، مجروح قلبها من دون دماء، ونُهشت مشاعرها من دون مخالب، وأنها مجرد متاع ووعاء، وعار بينهم، وليس لها رأي و كرامة، والاعتذار مرفوض، ومحو الود من أجل الخطأ ، تُنادى بغير أسمها بألفاظ رمزية، تتعرض لأسوء أنواع العنف من أتفه الأسباب، مما أدى لموتها ببطء، فتناقص عددهم، وضعفت مملكتهم، وقتئذ أفاق الرجال من سباتهم العميق، وندموا على مافعلوا، وخسارة أعز ما لديهم، لأن المرأة وطن والوطن لا يغتال، وليست من شيم الرجولة امتهان كرامتها، وجعلها بلا قيمة، والتقليل من شأنها، فالمرأة واحة خضراء بدونها يعيش الرجل في السراب، فاجتمعوا على رأي واحد بطرد الغرباء شر طردة، ليعيشوا كما كانوا من قبل في قلب الوطن المُعطاء”

 

توقفت عن الحديث هينة، وهي تنظر إلى السقف ثم همست بوهن والدموع تنساب على وجنتيها”هل فهمتِ ما أقصد؟ وعمن أتحدث؟! ومن هم الغرباء! لقد وقعت في شُباك أحدهم، الذي أخذني أميره وجعلني ذليله، وتحولت حياتي إلى جحيم تعرضتُ لأشد أنواع العنف، وحرقة في القلب، ويثور إذا بُعثرت الأشياء، ولم أجلب له كوب ماء، وإذا تأخرتُ دقائق، أو غرقتُ في نوم عميق، ويغضب لأي سبب، ويرفع صوته بلا أدب، وأمرهُ مُطاع، وإذا أحضرت الطعام قال أنه ليس شهي، وإذا تزينتُ له قال هناك نساء أجمل منك ، حاولت تغييره للأفضل فزادني بؤسًا، وكنتُ كل ليلة اختنق من الألم وأخفي دموعي المنهارة، وكان يمنعني من الزيارات حتى تختفي الآثار من جسدي، ويعاملني بأحسن صورة أمام الجميع حتى لو اشتكيت، لا أحد يصدقني، لقد أصابني اليأس وحاولت الانتحار مرارًا، وطلبت الطلاق تكرارًا، وكانوا أهلي يرفضون رفضا قاطعًا، ولا أتحدث في هذا الموضوع بتاتًا، هل تصدقي كان يعم الهدوء إذا غاب عن البيت أيامًا، حتى حدث مالا يحمد عقباه تجادلت معه بشأن وضعنا، فتعرضتُ للضرب والطرد من المنزل حافية القدمين في منتصف الليل، حاولت الوقوف ولم أستطع من شدة الألم وغبت عن الوعي ووجدت نفسي هنا مجرد بقايا أمرأة ظلمها أقرب الناس إليها…

 

نصيحتي لك تزوجي رجلاً يحترم عقلك وتفكيرك، وكفكِ بكفهِ، ولا يبالي بالآخرين، ويكن لك أهل حين غادرتِ بيت أهلكِ من أجلهِ، ويرى فيك كل النساء، ويراك الأجمل في أسوء حالاتك، ويحب عيوبكِ ويقبل فيكِ، ولا يتركك حين يراك حزينة، و يتحمل غضبك حتى لو كنتِ عنيدة، يقف معك إذا تخلى العالم عنك، وسندًا لك في الحياة، ويخاف عليك من كل شيء، وشمعة في ليل دارك، اختاري رجلاً يجبر خاطرك، ويكون لك ظل، ويضعك تاج على رأسه، ويعتبرك جزء لا يتجزء منه، وليس من ممتلكاته، ويخاف أن يسأله الله عن أذى تركهُ في قلبكِ..”

سعلت بقوة ، وصفرت الأجهزة، وأقبلوا الممرضات محاولة لإنعاش قلبها، وهي واقفة بلا حراك تنظر إليها بذهول وتسمعهم يقولون إعلان حالة الوفاة يوم الخميس عند الساعة الثانية فجرًا تاريخ …./02/02 وشهقت بصوت خافت” أنها تاريخ ميلادها!”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى