مايكل نصحي.. الساحر وراء تحويل الورق إلى تحفة مسرحية في “يوم أن قتلوا الغناء”


صموئيل نبيل أديب
متى سيقول لي احد اني احبك؟..
في منتصف المسرحية يصرخ آريوس بطل مسرحية “يوم أن قتلوا الغناء” وهو يبكي وحيدا.. ينظر إلى يدية الملطخة بالدماء راكعا أمام الإله الصنم ، يصرخ (انا اريوس سيفك الذي سلطته على أعدائك.. قتلت من رفضك.. قطعت لسان من غنوا.. ألم تامر انت بذلك.. لا غناء ولا رقص و لا حب .. أيها الإله ألا من مجيب ؟)
لا يعلم آريوس أنه ضحية خدعة من حاكم المدينة ( سليبا) .. الذي قال أن الإله يكره الغناء و الحب .. يقرر الحاكم أن يقتل كل من غَنَي و كل من ضحك فهذه هي الطريقة الوحيدة للسيطرة علي شعبه بأن يجعلهم في خوف دائم وقلق مستمر ،و لكن اخو الحاكم (مدى) الذي يعيش في الوادي يحب الغناء و الفرحة .. بل يجمع الناس لبناء سفينة ضخمة تجمع الكل وقت الخطر ..
قليلا قليلا تحولت المدينة إلى كآبة لا نهاية لها .. بينما يجول آريوس قتلا في الكل.. يتسلل الظلام الى روحه..يتملكها .. فينظر فزعا الى الذين يحبون بعضهم بعضا .. يقف في الظلام ناظرا إلى شاب و شابة يحبون بعضهم.. يسمعها تقول اُحبك و يسمعه يصرخ فرحا.. تدمع عيون ايروس و يصرخ.. ولكن عيونه لا يوجد بها دموع و صوته أصبح اجشا من عدم الغناء ..
يأمره حاكم المدينة أن يقتل اخوه.. فهو رأس الأفعى الذي يحرض الناس علي الحب و الفرحة والغناء.. يذهب اريوس باحثا عنه، يجده ولا يعرفه.. يساله أين الطريق إلى الشيخ ( مدى) ؟ في محبة الآب يسأل الشيخ آريوس لماذا انت حزين؟ غني وأفرح..
كيف اغني والله قد منع الغناء؟ .. يجيبه آريوس.. فيحتضنه الشيخ قائلا الله خلقنا لنفرح يابني.. الله خلق أصواتنا تغني فكيف يمنع الغناء؟! .. يحتضنه الشيخ
فيبكي اريوس لأول مره في حياته و يرتاح من ألمه.. و لكن.. وبينما يبكي الجمهور فرحا ان البطل قد وصل إلى خلاصة يخرج آريوس خنجره ليطعن الشيخ تنفيذًا لسيطرة الحاكم عليه .. ليصمت الجمهور حزنا اذ يكتشفوا ان المسرحية مازالت بعيدة عن النهاية، ليمضي الجمهور مع البطل في صراعه.. و السؤال الأزلي.. هل انتصر الخوف أم سيغني آريوس في يوما ما؟
هل بعد موت الشيخ هناك فرحة ام انها النهايه …. ؟
هذا ما تدور حوله مسرحية (يوم أن قتلوا الغناء) .. و التي ابدع في كتابتها محمود جمال الحديني، لاعبا على قصص الأساطير اليونانية بداية من استخدامه الأسماء نفسها مرورا بالعقدة و هي صراع البطل داخل نفسه حتى يصل إلى التطهر.. و لكنه يربطها بقصة نوح و بناء الفلك في مزج درامي رائع مُعقد.. ضفر فيه ببراعة بين الأسطورة والصراع الحالي..
و لكن ما النص إلا ورق فمن يستطيع أن يستنطق الورق الا مخرج قدير؟ و هذا ما حدث.. فببراعه تفوق مراحه سنه الصغيرة استطاع المخرج الشاب مايكل نصحي ان يقدم إعادة بصرية رائعه للمسرحية التي وإن سبق تقديمها سابقا الا انه استطاع يأخذ النص إلى أبعادا جديدة جدا.. ابتداء من شكل الديكور الذي قسم فيه المسرح الي قسمين علوي وسفلي.. العلوي حيث تمثال الاله الصارم القاسي حيث الإضاءة الخافتة و اللون الأحمر المسيطر بشكل خانق يجعلك تشعر بالخوف و القلق ، و في الجزء الأسفل الوادي الطيب حيث الألوان افتح و الاضاءه اسطع.. لعب ببراعة على توصيل أحاسيس المشهد بمجرد استخدم الإضاءة والألوان بشكل كبير، كما اهتم بالتفاصيل الدقيقة بشكل يخطف عيون النقاد ليضع بصمته على كل مشهد.. مثل طريقة سحب آريوس لسيفه من خلف ظهره و ليس كالمعتاد ان يكون السيف معلقا على الخصر .. الامر الذي جعل المشاهد يشعر بوحشة اريوس، كما استخدم الخيش و القماش القديم لتغليف الزجاجات ليعطي احساس بالقٍدم، كل الفقراء بلا أحذية بينما الجنود و الملك بأحذية سوداء عالية تجعلك تسمع صوت خطواته القوية على خشبة المسرح فتعطيك احساس بضعف الفقراء أمامهم..
حتى الملابس جاءت معبرة حيث سيطر اللون الأحمر و الأسود على ملابس الجنود الملك دلالة على القتل و الدم .. بينما سيطر اللون الأبيض و الأخضر و الرمادي على ملابس الشعب.. في تضاد أثرى المسرحية و أمتع المشاهد بصورة بصرية رائعه..ومع دقة في تنفيذ الملابس وهو أمر يحسب بشدة للمصمم جورج أنور
على خشبة المسرح كانت هناك مباراة حقيقية في التمثيل.. من المرات القليلة التي أخرج فيها من عمل فني و أجد أنه من الصعوبة أن نحدد من هو أفضل ممثل في العمل.. فبين الملك (تامر فرج / سيليا) الذي استطاع أن يقدم دور الشرير مبتعدا عن الشرير التقليدي سطحي الملامح ليقدم انسانا واقعيا، شريرا يجعلك تضحك علي نكاته و تشفق عليه في حيرته، و تلعنه بسبب قسوته، فنان استطاع ان يلعب على المساحة الرماية فاستحق الاشاده،
من ناحية أخرى هناك (جميل عزيز – مدى) الشيخ الطيب محب الحياه و الغناء الذي استطاع أن يبكي الجمهور وهو يكلم آريوس بُحب بسبب قدرته الرائعة على استخدام طبقات صوته المملؤة بالحنيه مع ملامح وجهه الهادئة التي تجعلك تشعر أنه أقرب إلى ملاك يمشي على قدمين.. حتى حركة جسده بسيطه هادئه
هناك أيضا جورجيت عزت و احمد عثمان.. الشبان العاشقان الذين قدما معا حالة حب مبهره،واحمد رائع جدا في التعبير بعينيه فعلي عكس ممثلين المسرح الذين يعتمدون علي الصوت و حركات الجسد يعتمد أحمد أيضا علي العينين في توصيل مشاعره بشكل أقرب للتمثيل أمام الكاميرا، بينما جورجيت قدمت دور الفتاة الخجولة بسهوله شديده
اما (نيفين المصري – المرأة المجنونه) حزنا على قتل ابنها بسبب غناءه فقد سيطرت علي خشبة المسرح طوال فترة ظهورها بحركات جسدها المرتعشة و عيناها اللتان تتحركان بسرعه، دلاله على الخوف و الصوت المتذبذب ارتفاعا و انخفاضا، كلها عوامل جسدية جعلتنا نبكي معها علي ابنها و نخاف من مصير كل من يغني ويرفع صوته فوق ظلم الحاكم
وكما كان التضاد بين الملك و اخوه، بين الملابس السوداء و البيضاء، جاء أيضا التضاد القوي بين (سمعان كمال – اريوس) و ( مريم عادل – كورمن)، سمعان قدم آريوس بشكل رائع يذكرك بعنف ابطال روما القديمة، معتمدا على بنيته القويه و شعره الطويل الذي يغطي ملامح وجهه معظم أوقات المسرحية و وملابسه السوداء و صوته الاجش و خطواته الثقيله ، بينما جاءت مريم لتقدم التضاد ملابسها البيضاء البسيطة و صوتها الفرح و ضحكتها و حركاتها السريعة، ليقدما معا صورة بصرية ممتعة..
في النهاية وحتى لو اتفقنا على بعض النقاط السلبية البسيطة مثل دقة كلمات اللغه العربية وأشياء اخري بسيطه ، و لكن المسرح ليس مجرد قصة تُروى، بل روح تُجسد ، لذا “يوم أن قتلوا الغناء” لم تكن لتصل إلى هذا المستوى من الروعة لولا الانسجام الفريد بين أفراد فريق العمل. . من براعة الكاتب إلى رؤية المخرج، وتألق الممثلين، ودقة كل تفصيلة خلف الكواليس، فأثبت هؤلاء المبدعون أن الفن الحقيقي يُولد من رحم التعاون والشغف المشترك.
شكرا لكم
…
قام بالتمثيل :-
محسن صبري.. مقدمة صوتية
تامر فرج .. سيلبا
جميل عزيز .. مدا
سمعان كمال .. آريوس
مريم عادل .. كورمن
نيفين المصري .. المرأة المجنونة
عاطف مينا .. الكاهن
احمد عتمان .. إفراط
جورجيت عزت .. لوسيلا
مينا سمير .. كوريل
انجي ناجح .. سالمينا
ابراهيم يوسف .. شاب١
كاتي عياد .. الفتاة
بافلي اشرف .. شاب٢
بيتر ايمن .. ابيدار
مينا عماد .. قاطع الطريق
جيروم .. شاب المعبد
مارينا رؤوف .. شباب السفينة
مريم وجدي .. شباب السفينة
عادل عماد .. شباب السفينة
دانيال فيكتور .. شباب السفينة
ستيفن اسحق .. جندي
بولا عزمي .. جندي
شنوده كرم .. جندي
مارك اسحق .. جندي
اب سيلبا .. جون ماهر
ديكور : كيرلس ناجي
موسيقي تصويرية وتوزيعات : سامح ألكسان
ألحان : مارك ميشيل
غناء : أنجيليكا أيمن – مارك ميشيل
ملابس : جورج أنور
مصحح لغوي : ياسر أبو العينين
مدقق لغوي : مريم صفوت
استعراضات : رحيل عماد
إكسسوارات: كاتي عياد
مساعدين إخراج : مريم عادل – إيفون عياد – مارينا رؤوف – إنچي ناجح