الأدب والشعر

ذكريات الولد الشقي..الولد سرّ أبيه

فايل المطاعنى

فايل المطاعنى

يقولون إنّ الولد سرّ أبيه… أنا “الولد الشقي” إللي أخذ من أبوه أكثر من ملامحه وصوته..أخذ روحه.

اليوم ما راح أكتب مغامرة… ولا حكاية فيها مصيبة من مصايبي…اليوم، أكتب عن الرجل اللي لو قلت عنه جبل، يمكن الجبل يزعل… لأنه ما فيه شيء يشبهه فعلًا.

الوالد الله يرحمه، كان فارسًا وشاعرًا، يمكن عشقي للشعر جاته من هالوراثة الطيّبة. ما كنت أعرف معنى “الهيبة الهادئة” إلا منه، رجل قليل الكلام، لكنه إذا تكلم… سكتت القلوب. كان ينادينا للصلاة بصوته الحنون، وأنا؟ ما تعلمت الفاتحة في المدرسة، بل تعلمتها عند سجادة الوالد، وهو يهمس لي: “يا ولدي، صلاتك صلتك بربك.”

كان يناديني بأسمي … لكن إذا زعل، يناديني بثلاثة أسماء مرة وحدة، مع لقب “يا شقي”!

ومع ذلك، ما زعلته كثير، لأنه ما كان يحتاج يرفع صوته… يكفي ينظر لي بنظرته المعاتبة، وأرتب وضعي فورًا.

أبي كان يقول لي: “يا بني، اقرأ… أنتم جيل العلم، مو جيل الكلام الفاضي.”

وكان لما يمر من عندي وأنا غارق في قصة مغامرات، يبتسم ويقول: “إنت الوحيد اللي ما تشرب شاي، لكن تقرأ القصص كأنك تشرب قهوة تركية!”

علّمني كيف أتعامل مع الناس، وكيف أكون محترم بطبعي، مو بتصنّع. كان لما يكلم النساء، يناديهن “سيدتي” باحترام، وكنا نضحك أنا وأخواني ونقول:

“يبه، إحنا في السوق، مو في قصر!”

لكنه كان يقول: “الاحترام ما له مكان… الاحترام يكون فيك.”

في آخر أيامه، أصيب بجلطة… فقد فيها أشياء كثيرة، إلا شيئين: أمي… وأنا.

كان ينظر لي ويقول:”مبارك… عيني اللي أشوف بها الدنيا.”، حتى لما فقد عينه اليمنى، بقي قلبه يبصرنا جميعًا… ومات على كتفي، في شهر شوال.

ما أنسى اللحظة… لكنها رغم ألمها، علمتني أن الرجولة مش بالصوت العالي، ولا بالقسوة، الرجولة تكون برحمة اليد… وصبر القلب.

ومن شعره اللي ما زال يدق في ذاكرتي كأنه أمس:

يا ساكنين مسكد

خبرني كيف أوصلك

إنت سكنت الروح

وبنبض القلب أرسلك

 

يا نغمة الأشواق

يا نبضٍ ما أبدلك

لك في خفوقي دار

وعيوني ما تجهلك

 

مسكد بها ريحك

وقلبي تعلّق بك

(مسكد: اسم مسقط قديمًا)

الولد الشقي هذاك…اللي كان يركض ويلعب ويخبّص الدنيا، كبر. ،بس ما كبر قلبه عن أبوه ،وللحين، إذا شاف صورة الوالد، صمت… وابتسم… ودمعة خفيفة قالت له: “أبوك ما مات ، أبوك فيك،وفي ضحكتك،

وفي كل مرة تقرا فيها الشعر، وتقول: هذا من دمي، من أبوي.”

رحم الله والدي… وأسكنه فسيح جناته.

ويا رب، كل ولد شقي، يلقى أب مثله… يُرَبّي ويحب، ويموت وهو راضي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى