العم عثمان والخبز الحاف.


ابراهيم الشقلاوي
حكايات من واقع الحرب بالسودان
قبل قليل والناس يقفون في صف لولبي.. واحد تلو الاخر يبحثون عن لقمة الخبز الحاف في ظل الحرب اللئيمة التي أتت بغتة.. احدي النساء المكلومات تحكي بأن صاحب الإيجارة او كما يسمونه هنا (سيد البيت) الذي يستاجرون داره.. جائهم علي عجل قبل يومين.. مصادفا بداية الشهر.. حيث كانت في غاية الأسف هي وبناتها الأربعة والطفل الذي لم يتجاوز الرابعة من العمر حيث تركهم الزوج المتوفي مطلع العام دون تدبير الا من رعاية وحفظ الرحمن.. حيث انهم لايملكون شي من المال في هذه الظروف التي توقفت فيها الحياة وتأثرت الخدمات جميعها بالحرب.. وظنوا ان الرجل جاء ليأخذ الأجرة او يخرجهم الي الشارع .. قالت المرأة ذهبت احضر له بعض الماء وانا ابحث عن رد يسعفني في المخارجة من هذا المازق.. اخذت في التفكير وانا بالمطبخ استجمع الكلمات وابحث عن اعتذر .. بعد أن أحضرت كوب الماء قررت أن اطلب منه اولا مهلة اسبوعين او شهرا كاملا اذا قبل.. غير ذلك اعطيه خاتمي الذهبي الذي ورثته عن جدتي مقابل الإيجارة وهو كما يقولون كنت احطاط به لليوم الأسود ..
وبعد أن أحضرت أمامه الماء وقبل ان اشرع في الاعتذار او طرح الحلول.. فاجأني عم عثمان هذا اسمه بإخراج ظرف ضخم كان يحوي كما يبدو اوراقا نقدية من جيبه ودفع به في حنو ابوي نحوي قائلا : ده مبلغ بسيط اشتري بيه حاجة للعيال.. عارفين ظروف البلد وعافي ليكم إيجار الشهر ده والشهر الجاي وان شاء الله ربنا يصلح الحال.
– ضيق الارض وسعة النفس..
يظل الخروج من الديار أمرٌ صعبٌ على النفس البشرية حتى عدهُ القرآن مماثلاً لقتلِ النفس “وَلَو أَنَا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُم أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنهُم وَلَوْ أَنَهُم فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَد تَثْبِيتاً”.
لذا فليعلم الذين أخرجوا من بلادهم وبيوتهم وديارهم وأبنائهم وأموالهم وأعمالهم، انه هو سبحانه من أخرجنا من بيوتنا وأولادنا وأعمالنا وأموالنا وان ربك بالمرصاد يدبر لخير عظيم.
وليعلموا ان الله سيجزي الشاكرين الصابرين الصامدين الواثقين في الله بلا حدود، وليعلموا انه سيزول الألم ويبقى الأمل والأجر والثواب، رغم ضيق الصدر وقسوة الخلق وضيق الأرض وسوف تتنزل الرحمات وتغفر الهنات وترفع الدرجات
وليعلموا انه سوف تتدخل يد الله تعمل في الخفاء تحفظ أوليائه وانه لن يكون في كون الله إلا ما يريده الله، وما مكرهم وكيدهم إلا ابتلاء وتمحيص.
يقول صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا» (صحيح البخاري)،
فاللهم عليك بمن أخرجونا من أعمالنا ومساجدنا وأهلنا وديارنا وأوطاننا، وأذونا في أجسادنا وحرائرنا وروعونا في أمننا وأمن بلادنا وسفكوا دماءنا.. اللهم عليك بهم فإنهم لايعجزونك أرنا فيهم عجائب قدرتك.
دمتم بخير وعافية.. Shglawi55@gmail.com