مقالات

بين الشاشة والطفل: كيف نحمي البراءة من طوفان السوشيال ميديا

عصماءبنت محمد الكحالية

عصماءبنت محمد الكحالية

في زمنٍ تُمسك فيه الأصابع الصغيرة بشاشاتٍ أكبر من وعيها، وفي عالمٍ يُلقّن الطفلَ مفاهيمه قبل أن يُتقن نطق الحروف، تتجدد الحاجة إلى سؤال مصيري: كيف نُحصّن أبناءنا من طوفان وسائل التواصل وتأثيراتها الخفية؟

لسنا في مواجهة عدائية مع التقنية، ولا نحمل لواء الحرب ضد العالم الرقمي. لكننا نقف أمام مسؤولية تربية جيلٍ لا تقتلع جذوره “ترندات” عابرة، ولا تهزّ وعيه صور مصفاة أو محتوى سطحي.

طفل اليوم… ليس كما كنّا

طفل اليوم لا ينتظر نشرات الأخبار، بل يصنع عالمه من “ريلز” و”ستوريات”.

هو ابن اللحظة، مُحاط برسائل متناقضة: مثالية زائفة، معايير جمال وهمية، وضغوط خفية تطال حتى الصغار.

ورغم كل هذا التغيير، تبقى حاجاته في الجوهر كما كانت: حب، اهتمام، فهم، وأمان.

لكن الفرق أن هذه الحاجات أصبحت تُلبّى غالبًا عبر وسيط رقمي، وهذا ما يستدعي أن نكون أكثر وعيًا، وأقرب إليهم من أي وقتٍ مضى.

المنع ليس حلًا… بل الفهم والاحتواء

لسنا بصدد إقصاء الأجهزة من حياة أطفالنا، بل نحتاج إلى ترشيد استخدامها، ومرافقتهم خلالها.

وهذا لا يكون إلا بخطوات واقعية، منها:

تحديد أوقات واضحة ومحددة لاستخدام الشاشات، يلتزم بها الجميع في المنزل.

تفعيل أدوات الرقابة الأبوية، لا للتجسس، بل لحماية طفلك بلطف.

تقديم بدائل واقعية ممتعة: كالألعاب اليدوية، الهوايات، القراءة، والأنشطة الفنية.

الأهم: القدوة. لا يمكن للأهل المطالبة بتقليل الاستخدام وهم غارقون في هواتفهم طوال الوقت

بناء الطفل من الداخل هو الحماية الحقيقية

إن الحصانة الحقيقية تبدأ من داخل الطفل: وعيه، ثقته، وإحساسه بذاته.

طفلٌ يعرف قيمته، لن يبحث عنها في عدد المتابعين. وطفلٌ يثق بحدسه، لن يُستدرج بسهولة لمحتوى مسيء.

فلنُعلّمهم:

أن قيمتهم لا تُقاس بعدد الإعجابات.

أن لخصوصيتهم حرمة لا يحق لأحد اختراقها.

أن قول “لا” حقّ، حتى في العالم الرقمي.

هذه المبادئ لا تُلقّن عبر محاضرات، بل تُبنى بالحوار، بالقصص، وبالمواقف اليومية الصغيرة.

الحديث معهم… لا عنهم

فلنحوّل البيت إلى مساحة آمنة للحوار، لا إلى ساحة أوامر ونواهي.

اسألهم، استمع إليهم، وشاركهم دون أن تحكم عليهم.

أسئلة بسيطة قد تصنع فارقًا كبيرًا:

ما أكثر شيء تحبّه في الإنترنت؟

هل رأيت شيئًا أزعجك مؤخرًا؟

ما الذي يجعلك سعيدًا بعيدًا عن الشاشة؟

طفل يشعر أن هناك من يسمعه… لن يصرخ في الفراغ الرقمي

خاتمة: الطفل في بحر التقنية… هل نمنحه درع الوعي؟

لن نوقف عجلة الزمن، ولا نمنع تمدد السوشيال ميديا، لكننا نملك شيئًا أقوى: أن نُنشئ جيلًا يُبحر بثقة، لا يغرق مع كل موجة.

التقنية ليست عدوًا، بل أداة. والطفل الذي نزرع فيه وعيًا اليوم، سيكون هو صانع المحتوى والتأثير غدًا.

فلنُعلّمه أن يكون إنسانًا أولًا… قبل أن يكون “مستخدمًا نشطًا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى