قصةالمدينة الفاضلة … الجزء الثاني


سميره التميمي
_ أرجوكِ أرجوكِ لا تأخذيها مني أرجوكِ….
استيقظ أحمد وهو يتمتم بهذه الكلمات في صراع مع كوابيس أقلقت منامه، تنفس بعمق واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ونفث عن يساره…
نظر نحو ساعة يده إنها الساعة الثالثة صباحاً، لايزال الوقت مبكراً، شرب كأس الماء وحاول أن يعود للنوم مجدداً لكنه لم يستطع عبثاً!!
نهض من فراشه أخيراً، وقرر أن يصلي ركعتين لعله يهدأ…
(سبّح مرتقبًا البشارة، منتظرًا المسرّة، سبّح حتى يلفظك الحوت وتخرج من غياهب الكرب، وينبت يقطين انفراجاتك، وحتى تجد لعريّ شتاتك دثارًا ويابسة ومأوى)
فتح أحمد نافذة غرفته وهو ينظر لصفاء السماء، ونسيم يمر بهدوء وسلام يصافح وجهه ويبدد ملامح حزنه، ويعانق نبضات قلبه، تنفس بعمق من جديد، وهو يقول :
ماأجمل شعور الإرتياح الذي تجده في مصلاك، الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وتفضل علينا بنعمه الكثيرة الظاهرة والباطنة.
قرر أحمد أن يرتدي ملابسه، وأن يقود سيارته حيثما يقوده الطريق حتى يحين موعد دوامه.
وبعد أن أدى صلاة الفجر في إحدى المساجد التي مر بها في طريقه، رن هاتف جواله فانتبه مسرعاً أنه لم يخبر أمه بخروجه من المنزل، ليرد على اتصالها مُعتذراً ومُطمئناً لها على حاله
……………….
في منزل عادل….
الساعة السابعة صباحاً، يطرق الدكتور أحمد باب منزل صديقه عادل، الذي استقبله بحفاوة كالمعتاد.
_ اعتذر لإزعاجك ياصديقي
رد عادل مازحاً :
_ لابأس أعرف أنك اشتقت لطبق البيض الذي تصنعه أمي كالعادة تتحايل عليّ بأن لديك مشكلة خطيرة ثم تلتهم الطبق وتنسى المشكلة!
تبادل الإثنان الضحك وهما يتصافحان ويضمان بعضهما البعض.
وبعد أن تناولا الفطور… ارتشف الدكتور أحمد كوب الشاي، ثم تنهد بعمق….
عادل : يبدو هذه المرة أن المشكلة لن يحلها طبق البيض!
أحمد : نعم، نعم ياعادل أنا متعب كثيراً
عادل :هل عاودتك الأحلام مرة أخرى؟
أحمد : نعم!!
عادل : أوه ه.. لقد مر وقت طويل ولم تعد هذه الأحلام تنازعك كالماضي
احمد: صدقت ياعادل هل تذكر آخر مرة رأيت فيها هذا الحلم؟ لقد كان ذلك في المرحلة الثانوية وبعدها لم أراه ثانية!
عادل : وهل أخبرت أمك بذلك؟
احمد : كلا كلا لا أريدها ان تعرف كما تعلم سيصيبها الوسواس والقلق حيال ذلك، لكني بعد أن صليت وخرجت أشتم بعض الهواء تحسنت كثيراً، لذا فضلت أن لا أزعجها بالأمر.
عادل : الحمدلله، لكن غريبة، ألم تنم جيدا بالأمس؟
احمد : حقيقي لا، لقد شغلت إحدى المريضات الكبيرات في السن تفكيري بالأمس
عادل : ألهذه الدرجة، هل مرضها خطير؟
احمد : كلا، المشكلة أنها ليست مريضة!
دهش عادل، وطلب من أحمد أن يحكي له قصتها،
قص أحمد على صديقه عادل أمر الخالة زينب ثم قال :
_ أنا لا اعلم ماالذي أصابني حين نظرت إلى عينيها!
عادل: أوووه انتبه ياأحمد ألم تسمع عن السحرة المنتشرين أعيذك بالله منهم؟؟
أحمد : كلا كلا اطمئن ياعادل لقد كنت بكامل وعيّ حينها لكن عيناها وهما غارقتان في الدموع، كانت تخبرني شيئاً، يأسرني!
_رد عادل قائلاً :
بعض النساء (عيونهن) جميلة
وتصير أجمل عندما يبكينا!
_تمتم أحمد مكملاً :
الحزن يصهُرنا معاً ويذيبنا
من حيث لا أدري ولا تدرينا
_ هنا قال عادل مازحاً : الله الله يادكتور لولا أنها عجوز كما قلت لظننت أن صديقي قد وقع في فخ الحب أخيراً وسنحتفل بزواجه قريباً.
ضحك أحمد وابتسم عادل مُرَبِتاً على كتفه وهو يقول :
ابتسم ياصديقي، ولا تقلق، لازلت حنوناً كعادتك رغم سنوات الطب والغربة إلا أنك لم تتغير، قلبك يظل رقيقاً، صدقني إنها غيمة وستمر، لعل نجاة هذه السيدة على يديك بعد الله، هيا هيا ياصديقي واقبل على الحياة بتفاؤلك ونشاطك المعتاد، ورائك يوم ثقيل من المراجعين والمرضى، وهذه السيدة أيضاً تحتاج محقق ذكي وبارع مثلك… هيا كيف ستكون بلسماً للأخرين وأنت بهذا الحزن؟
_ نعم نعم صدقت ياعادل، شكراً لك يارفيق عمري
_ أبداً أبداً يارفيق الطفولة نحن وطبق البيض تحت أمرك، ورهن مشاكلك. هههههه
……….. . .
في العيادة…
انهى الدكتور أحمد عمله مع المراجعين لعيادته هذا اليوم، قاربت الساعة على الثانية بعد الظهر.
نظر للمرضة سوسن قائلاً لها :
_ هل حضرت السيدة زينب؟
_نعم يادكتور إنها تنتظرك بالخارج، هل نأذن لها بالدخول؟
_كلا انتظري قليلاً أريد ان أطلع على بعض المعلومات عنها.
تصفح أحمد ملف السيدة زينب، ولم يلحظ اي امر يدعو للدهشة، لكنه قال في نفسه : إنها أرملة ولديها إبن كما هو مكتوب هنا في حالتها الإجتماعية وربما مرت بظروف قاسية في حياتها مع إبنها .. حسناً لنرى ياخالة ماهو سرك؟
ثم نادى (سيستر سوسن) فضلاً اطلبي من السيدة زينب الدخول.
…………
ابتدرت السيدة زينب بالسلام حين دخلت غرفة الكشف عند الدكتور أحمد قائلة :
_السلام عليكم ورحمة الله يابني
_وعليكم السلاااام ورحمة الله وبركاته، أهلا ياخالة، كيف حالك اليوم؟
_أنا بخير، وأعتذر منك يابني، أنت مرهق ومتعب ورغم ذلك لاترفض استقبالي!
_أبداً أبداً ياخالة لا تهتمي أنت في منزلة والدتي ثم أنا هنا طبيب وهذا دوري وواجبي.
_ ولكن أنت طبيب للأمراض القلبية، وليس للألم وهموم الناس
_ بل طبيب القلب ياخالتي إن لم يكن طبيباً لجروح الأخرين قبل كل شي فلن ينفع علاجاته الطبيه على قلب أي مريض، نحن ياخالة نتعامل مع أهم مضغة في جسد الإنسان، هذا العضو فيه كل الشعور والأحاسيس والمتاعب وأنا أدرك ذلك وأتفهم أن معظم أمراض القلب سببها ما يمر به الإنسان من ضغوطات وأحدث تؤثر على قلبه وبالتالي على صحته وعافيته، الهم أثقل جند الله.
تنهدت السيدة زينب بعمق كبير وهي تسمع هذه الكلمات من الدكتور أحمد ثم قالت :
_ ماأسعد من رباك يابني، ربي يحفظك لها.
_ اللهم آمين ياخالة ويحفظ لك ابنك، لكن أين هو؟
هنا اطرقت السيدة زينب رأسها واستسلمت لبكاء طويل
حاول فيها الدكتور أحمد مع مساعدته سوسن تهدئتها
حتى تمكنا بصعوبة بالغة من ذلك. وبسبب ماحدث من السيدة زينب.
استأذن الدكتور أحمد من الممرضة سوسن طالباً منها أن تبقى معه بالعيادة هي والعامل المسؤول عن تنظيف العيادة من أجل السيدة زينب فقد قاربت الساعة على الثالثة مساءاً وقد انتهى وقت دوامهما. فرَحَّبَا بالفكرة،. ويبدو أن رغبة الجميع في معرفة قصتها وفك غموضها هو ماجعلهم ينتظرون رغم أن الإرهاق كان واضحاً عليهم جميعاً.
ظل الجميع حول السيدة زينب يستمعون لقصتها بإهتمام بالغ!
حين ابتدأت قائلة….
يتبع…