السودان بين الحضور الدولي وغياب الأرادة الوطنية..

إن السودان بحكم وجوده الأستراتيجي في قلب العالم العربي وأفريقيا وموقعه الجيوسياسي المميز المطل علي البحر الأحمر والقرن الإفريقي واحتشاده بالموارد والثروات المكتنزة والأنهر دائمة الجريان والأراضي الممتدة والثروة الحيوانية والمعادن التي يتصدرها الذهب وغير ذلك من الثروات.. ومما لاشك فيه أن هذا الوضع الجغرافي المميز بجانب التدخلات الإقليمية قد جلب المتاعب للسودان وكرس الخلاف بين قياداته السياسية.. مما جعل التيه وعدم الإتفاق علي مشروع نهضوي مدروس يمثل السمة المميزة لهذه المرحلة الحرجة التي تمر بها بلادنا والتي اتسمت بعدم التوافق اوالإجماع علي رؤية مشتركة بين الفرقاء..

فقد كان من المأمول أن تكون هذه الأفضلية عاملا مهما في وحدة الهدف والمصير .. فكما نعلم إن الجغرافية والموارد تمثلان عاملا مهما وثابتا في السياسة وتطور الأقتصادي لذلك تنشط الدبلوماسية الإقليمية والغربية لتحقيق استراتيجياتها دون الألتفات إلى إستراتيجية السودان الوطنية الغائبة وسط هذا الخضم من الخلافات.. لذلك سيظل العالم يتدخل في الحل الداخلي للمحافظة على مصالحه الخاصة.

حسب المشهد السياسي الراهن المتصاعد والذي بلغ درجة مصادرة الإرادة الوطنية.. يجعل من الأهمية الذهاب إلى توافق شامل بين أبناء الوطن قبل أن تنتقل البلاد نتيجة هذا الصراع إلى مربع المواجهة التي تعصف بأستقرار البلاد وتجعل الحل حينها بعيد المنال.. الملاحظ أن قيادات الأحزاب والفاعلين في المشهد السياسي يبدون مرونة وآراء جيدة تعزز التوافق وتدعوا إلى تعجيل الحل ذلك في مواقفهم وتصريحاتهم الخاصة في الصالونات أو وسائط التواصل الإجتماعي وهي مواقف تمتاز بالعقلانية والهدوء وتفهم المجالات المحتملة.. بينما مواقفهم الرسمية تبدو بغير ذلك تماما.. هذا في تقديري ينم عن التدخل الإقليمي الواضح في القرار السياسي الوطني وهذا ما يدعونا إلى التأكيد على أهمية ضغط الجماهير المستنيرة التي بظهرها الواقع المعاش بأنها غير مهتمة وأنها ماضية في معاشها رغم المعاناة التي يتسع فتقها كل يوم.. تبقى دور النخب السياسية و الأكاديمية التي تبدو هي الأخرى منساقة تجاه همومها الخاصة دون تأثير أو أبدا رأي يدفع بالعملية السياسية أو يشكل ضغط علي الجميع.. فقد كثر الحديث عن المبادرات دون مبادرة من حكماء البلاد والأكاديميين الذين يثق فيهم الناس.. الذين ينظر لهم يترقب في أوقات المحن التي تمر بالشعوب.

إن تقاطع العوامل الإقتصادية والسياسية يفسر إلى حد ما تأجيج الصراع واستمراريته فبلادنا تزخر بموارد هائلة تمثل أحتياطي إستراتيجي في جانب الثروات التي ينظر لها الجميع علي المستوي الإقليمي والدولي من زاوية المطامع في وجود التغييرات المناخية التي أعلنتها المنظمة الدولية وأزمة الغذاء التي تجعل الجميع يدخلون دائرة التنافس لحيازتها هذا بالنظر إلى موقع السودان الجغرافي المميز وامتداد سواحله علي البحر الأحمر الذي يمثل صراع النفوذ الإقليمي والدولي مظهر واضح المعالم في هذا التوقيت الذي يحتدم فيه الصراع ويبلغ ذروته..هذه المتغيرات تتلاقي إلى حد كبير مع الدوافع التي تجعل جميع البلدان تتدافع للحفاظ علي مصالحها في المنطقة عن طريق السودان الذي يغيب فيه الإستقرار بسبب سقوط حكومة الإنقاذ التي كانت تجيد توازن المصالح وظلت تمتلك أدوات الصراع والكثير من الأوراق التي مكنتها لحد ما من الإستمرار ثلاثون عام دون استسلام .. الأن السودان يمر بظروف بالغة التعقيد بعد مجي حكومة الثورة التي لم تستطيع النجاة من الاستقطاب الإقليمي بالرغم مما اعلنته في فاتحة برنامجها وخطابها السياسي مما خلق واقعا اشبه بالفوضى السياسية جعل من الصعوبة الوصول الي توافق سياسي بين الفاعلين يمكن من مضي العملية السياسية إلى الإمام ممافتح الباب واسعا للتدخلات في الشأن الداخلي .. لذلك يظل تأكيد المراقبين أن هذا الوضع الخائر جلب كثير من المتاعب للسودان.. فقد شهدت الفترة الأخيرة وماتزال زيارات العديد من الدول عبر مدراء مخابراتها أو وزراء خارجيتها فيما بات يصفه المراقبين بالهجمة الشرسة لحفظ المصالح واحداث التوزنات التي بدا من خلالها غياب الارادة الوطنية.

هذا التداعي المحموم يجب أن يدفع الشركاء السودانيين والنخب الفاعلة للمساهمة في عملية تحقيق الإستقرار من خلال دعم الأستقرار والتوافق السياسي لأجل تحقيق التنمية الإقتصادية والاجتماعية التي يتطلع لها المواطن انطلاقا من تصور شامل يرتبط بإقامة نظام اقتصادي وطني غير مرتهن للخارج إذ أن الاعتبارات الاستراتيجية والأمنية تملي ضرورة رفع مستوي المسؤولية لإخراج البلاد من هذا الماذق الذي يحيطها يوم بعد يوم والذي يخشى أن يقودها إلى الفوضي حيث لاينفع الندم بعد ذلك.. تظل ثقتنا في أبناء شعبنا وقياداتنا العسكرية والسياسية موفورة ما أن اجتهدوا في الوصول إلى مخرج من هذه الأزمة التي ربما تعصف بأمن واستقرار البلاد.. وحتى لايكون للحضور الدولي فاعلية اكثر من حلولنا الوطنية.
دمتم بخير

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى