مفهوم الحب


حسن بن محمد منصور الدغريري
الحبَّ للأشياء فطرة بشرية ؛ فطر الله الناس عليها ، فيحبُّ الإنسان الطعام الشهي ، والشراب اللذيذ ، والمركب الهنيء، والملبس الجميل ، والمنزل الواسع ، ويحب الرجل زوجته وأولاده ، والزوجة تحب زوجها وأولادها ، ويحب الإنسان الطبيعة الساحرة ، والمنظر البهيج الجميل ، ويحب المواطن الصالح وطنه وبلاده ، وبيئته التي عاش وترعرع فيها ، وقس عليها غيرها من كل محبوب للنفوس ، وكل مرغوبٍ للقلوب ، وليس معنى الحب فقط هو ما تغنى به الشعراء ، وحكاه الأدباء ؛ من الحب والغرام ؛ الذي يورث الشر والهيام ؛ عند فوات المرأة الحسناء الجميلة ، فالكل مقدور ومكتوب ، والزواج قسمة ونصيب ؛ فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } [ التكوير : 29 ] والعبد المسلم يحمد ربه على كل أحواله كلِّها ، ويشكره في كل أحيانه جميعها، فإن فاته شيءٌ من محبوباته ، فهو بقضاء الله وقدره ، ولله في خلقه شؤون ، ولما يقضيه عليهم ولهم فيه من خير أو مكروه أمرٌ محتوم ؛ولله فيه الحكمة البالغة ، والحجة الدامغة .
وأعظم أنواع الحب على الإطلاق محبة العبد المسلم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ومحبة ما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأعمال والأقوال وغيرها ، وبغض ما يبغضه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأعمال والأقوال وغيرها ، وقد قال تبارك وتعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ آل عمران : 31 ] وقال تعالى : { قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ } [ التوبة : 24 ] وقال صلى الله عليه وسلم : { لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ ، وَوَالِدِهِ ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } متفق عليه ، وقال صلى الله عليه وسلم : { ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ } رواه مسلم والبخاري ، واللفظ له .
فليحب المسلم ما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ويفعل ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأعمال الصالحة ؛ ابتغاءَ رضوان الله وجنته ، ويبغض ما يبغضه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأعمال السيئة ؛ ويتركها اتقاءً لسخط الله وعذابه في الدنيا والآخرة ؛ قال الإمام الشافعي رحمه الله :
تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه
هذا محالٌ في القياس بديع
لو كان حبُّك صادقاً لأطعته
إنَّ المحب لمن يحبُّ مطيع
في كلِّ يومٍ يبتديك بنعمةٍ
منه وأنت لشكرِ ذاكَ مُضِيعُ
والله نسأل أن يرزقنا وإياكم حبَّه ، وحبَّ من يحبُّه ، وحبُّ كلَّ عملٍ يقربنا إلى حبِّه ، وأن يكره إلينا وإياكم الكفر والفسوق والعصيان ، وأن يجعلنا من الراشدين . اللهم آمين .