ذكري رحيل المطرب ” عبده الحامولي ” أشهر مطربي القرن التاسع عشر.


د.فايل المطاعني
يوم أمس كان ذكري رحيل المطرب ” عبده الحامولي ” أشهر مطربي القرن التاسع عشر.
نشأته:
ولد ” عبده الحمولي ” يوم 18 مايو عام 1841 م ( يوجد تضارب في بعض المصادر تاريخ الميلاد حيث ذكر البعض أنه عام 1836 والبعض الاخر أنه عام 1840 م )، حيث ولد في قرية الحامول التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية، لأبوين فقيرين، وكان له أخ أكبر منه، وقد نقم والده عليه بسبب ولعه وتعلقه بالغناء منذ الصغر، وإشتد الخلاف بين الأب والابن حتى دفع عبده وشقيقه الأكبر إلى الفرار من منزل الأسرة، فهاما بين المزارع والغيطان يعانيان من قسوة الجوع والعطش والوحدة إلى أن حطّا الرحال بالقاهرة بحثاً عن عمل يعيشان منه، حتي إلتقيا المعلم ( شعبان ) الذي إكتشف موهبة ” عبده الحمولي ” الغنائيه وعمل معه في قهوة عثمان آغا، وهو أحد المقاهي المنتشرة في حديقة الأزبكية، فإتفق معه علي الغناء كل ليلة وسرعان ما إمتلأ المقهى بالزائرين الذين وجدوا في صوت ” عبده الحامولي ” سحراً ومتعة.
خاف المعلم ( شعبان ) بعد أن إتسعت شهرة ( عبده الحامولي ) أن يهرب منه مصدر الرزق الكبير، فقرر أن يضمن بقاءه معه بتزويجه من إبنته، وبدأ يتصرف معه على أنه فريسة مأمونة الجانب، وبدأ الأب وابنته يتعاملان مع الحامولي تعاملا قاسياً، ظنًّا منهما أنهما إمتلكاه ولم تعد أمامه أيّ فرصة للفرار، ولكنه بالفعل هرب من المقهى ومن المعلم وإبنته ولم يرجع إليهما، وذلك على الرغم من أنهما سعيا إليه ليعتذرا له ويعرضا عليه العودة، على أن يكون السيد المطاع في البيت والمقهى، ولكن ” عبده الحامولي ” لم يكن سعيداً مع المعلم ( شعبان ) ولا مع زوجته المفروضة عليه ولذلك إختار ألا يعود إليهما.
إنطلاقته الفنية:
بعد ذلك إلتقي ” عبده الحامولي ” مصادفة بالسيد ( شاكر أفندي الحلبي )، أحد حفظة الأدوار والموشحات، فتلقى على يديه أصول الغناء، وحقق شهرة واسعة في عالم الغناء والطرب، وكوّن تختًا موسيقيًّا خاصًّا به، وتولى الملحن ( محمد عثمان ) و الشيخ ( محمد عبد الرحيم المسلوب ) مهمة تلحين أغنياته، وذاع صيت ” عبده الحامولي ” في أنحاء القاهرة.
وعندما سمعه الخديوي إسماعيل أُعجب به وألحقه بحاشيته، واصطحبه إلى عاصمة السلطنة العثمانية “الآستانة”، وبذلك تهيّأت له فرصة الاستماع للموسيقى التركية، وإستطاع أن يقدّم ألحانًا تجمع بين المزاجين المصري والتركي، وتحمل الروح المصرية والطابع الشرقي، هكذا جعلته مخالطته للأتراك وموسيقاهم يقدِّم ألحاناً تجمع بين المزاج المصري والمزاج التركي، فأدخل بعض الأنغام التي لم تكن مألوفة في مصر، ومنها مقام الحجازكار الذي لحنّ منه أدواره المشهورة ( مليك الحسن في دولة جماله – الله يصون دولة حسنك – كنت فين والحب فين )
إشترك ” عبده الحمولي ” مع ( أحمد أبو خليل القباني ) في مجموعةٍ من الروايات التي قدمتها فرقة القباني بدار الأوبرا في شهر يناير 1895 م وكانت تلك أول مرة يعتلي فيها مطرب عربي خشبة مسرح الأوبرا، ما شجع بعد ذلك الشيخ ( سلامة حجازي ) على تخطي تردده والعمل في عالم المسرح، فإستفاد ” عبده الحمولي ” كثيراً من تعاونه مع القباني الذي كان ملحناً قديراً وعالماً بأسرار الموشحات وعلم المقامات والأوزان.
تراثه الفني:
أعتمد ” عبده الحامولي ” في تجديده الموسيقى على إستخدام مقامات موسيقية لم تكن معروفة في مصر، كالحجاز كار والنهاوند والكرد والعجم، وعرف عنه رقيّه في إختيار الكلمات، ويكفي أنه وعلى عكس مطربي زمانه تعاون مع كبار رجال الدولة الذين يكتبون الشعر، أمثال ( محمود سامي البارودي – إسماعيل صبري باشا – الشيخ عبد الرحمن قراعة – عائشة التيمورية )، كما طلب ” عبده الحامولي ” إلى بعض الشعراء والمثقفين ترجمة مجموعة من الأغانى التركية إلى اللغة العربية، وهو من أوائل من لحنوا القصيدة التقليدية، مثل قصيدة ( أراك عصي الدمع ) لأبي فراس الحمداني.
كما إشترك بالغناء في فرقة أبو خليل القباني المسرحية، ومن أشهر أغانيه ( الله يصون دولة حسنك – كادني الهوى – متّع حياتك بالأحباب – أنت فريد في الحسن – كنت فين والحب فين ) ورغم أن تراثه الغنائي ينتمي إلى القرن التاسع عشر، إلا أن تأثيره كان قويًّا على كل مطربي العقدين الأولين من القرن العشرين، أمثال ( صالح عبد الحي – يوسف المنيلاوي – عبد الحي حلمي – سلامة حجازي – أبو العلا محمد )
ألمظ وعبده الحامولي:
بدأت القصة بالمنافسة بين الفنانين المفرّدين ( ألمظ وعبده الحامولي ) وكان من مظاهر هذا التنافس بعض المداعبات الغنائية، حيث كانت ( ألمظ ) تغنّي أغنية فيرد عليها ” عبده الحامولي “بأغنية أخرى، فأشتهر المطربان ( عبده الحامولي و ألمظ ) في عهد ( الخديوي إسماعيل )، حتى أعتُبرا المطربين الرسميين للقصر، ولم يلبث الحب أن ربط بينهما وتزوّجا وعاشا حياة سعيدة، إلا أنه بعد زواج ألمظ وعبده الحامولي وقعت العديد المشكلات، نظرًا لحب ” عبده الحامولي ” الشديد لألمظ وغيرته الشديدة عليها، ومن أجل ذلك منعها من الغناء أو الخروج لأيّ حفلات، حتى توفيت ( ألمظ ) فجأة وفي ريعان شبابها، فامتلأت نفس ” عبده الحامولي ” بالحزن، وكان عليه وهو الحزين أن يقدم الأفراح للناس بغنائه وصوته الرخيم، فظل هكذا حتى فارق الدنيا، وقبل وفاته بأسابيع سجّل بعض أعماله على أسطوانات شمعية، إلا أنّ رداءتها لم تسمح لها بانتشار واسع، وقد بقي عدد من هذه التسجيلات حتّى اليوم، ولكن بصوت غير واضح .
وفاته:
توفي عبده الحمولي في 12 مايو 1901 م، ورثاه الشاعر أحمد شوقي بقصيدة مطلعها ( ساجع الطير طار عن أوكاره وتولى فن على آثاره ) بقلم .فايل المطاعني