في يوم… في شهر …في سنة


حسام الدين الغيري/تونس
يولد المرء في يوم معين وشهر معين وسنة معينة، كما يتوفى في تواريخ معينة يحددها العزيز الحكيم. الا أن هذا لا يعني أن تتخلل هذه التواريخ موجة من الأرق المتلاطم، انها تجربة القلق.
ويشير مصطلح القلق في الفلسفة الوجودية إلى مشاعر عدم الإرتياح تجاه الاختيار والحرية في الحياة.
لعل الإنسان يمر بهذه التجربة اللعينة منذ أن كان جنينا يتخبط في بطن أمه مؤذنا بالخروج ، لعله شعر بالقلق، كيف لا وقد خلقه الله من علق لينشأ ويترعرع ويخلفه في هذا الكون. ربما أحس بالضيق، ربما شعر بأن بطن أمه نفقا فود أن يرى النور، لعله شاء أن يرى النور في آخر النفق، ربما ظن أن الأفضل لم يأت بعد فمضى يدغدغ أمه، يلاعبها، يترجاها لتأذن له بالخروج، يغازلها بحركات طفولية عفوية فتتالى ضحكاتها وتملأ ابتسامة الحسم محياها، وتدعو مولاها ليسهل وضعها وتصل السفينة مرساها وتبلغ مشيئة المولى منتهاها.
لعل ذلك الطفل المدلل في أحشاء أمه لم يعلم بعد بمخاض البعث الأول و لذة الموت الأخير، لم يخبره أحد بعسر الولادة من الخاصرة وآهات البعث من رحم المعاناة.
وفعلا يخرج الجنين من بطن أمه فيبدأ بالتنفس ويهم بإخراج ذراعيه وقدميه فرحا مسرورا بانعتاقه من ظلمة النفق، ولكنه فجأة يطلق صراخا، عويلا، لعله بكاء الندم، عويل الصدمة، فيغمض عينيه أملا في الهروب من هذه الحياة، من هذه الحقيقة النكراء، ربما قد اطلع على الغيب فلاح له قدره، فتحول فرحه حزنا وانقلب تفاؤله تشاؤما وأضحى أمله بؤسا ومضى يبكي وكأن لسان حاله يقول:”لو أني أعرف خاتمتي ما كنت بدأت.”