قراءة في رواية عبير أنثى للكاتبة فكرية شحرة


روان محمد الهتاري
رواية (عبير أنثى) من الروايات التي يمكن أن نصفها بالنسوية، فهي تعبر عن المرأة اليمنية والمجتمع الذكوري الذي تعيش فيه كما تراه عبير المرأة المتردة على كل العادات والتقاليد، وتسعى للحصول على حقوقها.
القصة باختصار أن عبير نشأت في أسرة محافظة، لم تكمل تعليمها بسبب العادات، وحُرمت من الخروج من البيت فلم تجد سوى القراءة متنفسًا لها، تزوجت من رجل لم تختره وأنجبت ثلاثة من الأبناء. عاشت حياتها بين زوجها وأطفالها وروحها الثائرة بسبب إحساسها أنها حُرمت من أشياء كثيرة في الحياة، زوجها يرفض عملها لذلك تعيش لبيتها وزوجها، وخروجها إلى بيت صديقتها فريدة، أو للتسوق مع بعض الصديقات، أو زيارة معارض الكتاب، ولا شيء غير ذلك. في يوم من الأيام ذهبت صدفة إلى منتدى ثقافي فالتقت بقاسم شرف الذي كان يلقي محاضرة فأعجبت بآرائه الواثقة التي تنسف ثوابت قديمة في رأسها، ثائرًا مثقفًا، لا وجود في محيطها لمثله، فحرصت على التقرب منه أكثر والتعرف على أفكاره، فقررت العمل في مركز البحوث والدراسات الذي يرأسه، وخاضت بسبب ذلك معركة كلامية حادة مع زوجها حتى أقنعته. عملت عبير في المركز وانبهرت بفكر قاسم شرف وقدرته على النقاش وإفحام مناقشيه أصحاب العقول المتحجرة الذين يقبلون كل ما يقرأون دون نقد أو تفحص، كما انبهرت بإنجازاته في مجال الثقافة والوعي لدى الشباب، وأعجبت بكل رواد المركز من أصحاب العقول الواعية من الرجال والنساء، فأصبحت تكره محيطها وتجمعاتها السطحية مع النساء المليئة بالتفاهات. تقربت عبير من قاسم شرف وأحبا بعضهما ثم ندما فورًا على هذه المشاعر، فافترقا، وظلت عبير تحمل هذا الحب في قلبها للأبد لأنه هو الحب الصادق في حياتها.
انتهت القصة هنا، قد تمر أحداث الرواية مرور الكرام بالنسبة لشخص ناضج على اعتبار أنها قصة خيالية للتسلية، لكن المشكلة أن هناك جيلًا من الفتيات ستؤثر فيهن تأثيرًا سلبيًا وسيصدقن أن كل ما في المجتمع ظالم وأن الثورة هي الحل لاسترداد الحقوق، وأن قاسم شرف هو الشخص المثالي أو المنقذ وزوج عبير هو رجل لا يبالي بالمرأة ولا يدعمها ورجعي وغيرها من الصفات. حتى وإن كنن نعتقد أن كلام الروايات غير حقيقي إلا أننا في الغالب نتأثر في العقل اللاواعي، بطريقة أو بأخرى بما نقرأه أو نشاهده.
الأجيال الصاعدة من الفتيات ربما لن يفهمن أن الرواية ليست ناضجة لكي نقيم على أساسها توجهات في الحياة، الحياة الواقعية فيها الجانب السلبي وفيها الجانب الإيجابي، وليس من الحكمة في كل الأحوال التمرد على كل شيء لنصل إلى ما نريد. وكل البشر فيهم عيوب ومميزات، ولا يوجد إنسان مهما كان ذكيًا ومثقفًا ولديه إنجازات خال من العيوب. الرواية وقعت في تطرف في جهتين أولًا بالغت في الهجوم ونقد المجتمع كأن لا خير فيه، ثانيًا بالغت في مدح صفات قاسم شرف لدرجة المثالية وهذا لا يوجد في بشر أبدًا مهما كان صالحًا.
عبير لم تكن سعيدة مع زوجها ليس لأنه شخص سيء أو لأنها لم تختره، عبير وزوجها كغيرهما من الأزواج، لم يتمكنا من فهم أنهما مختلفين في كل شيء ولم يعرفوا كيف يحتويان بعضهما، ولحل هذه المشكلة يمكن اللجوء لشخص ناضج أو استشاري أسري يستطيع أن يرشدهما إلى الطريق السليم منطلقًا أولًا من منهج شرعي، وثانيًا من علم، أما حب عبير لقاسم شرف فما هو إلا انبهار بشخصية لم تألفها، ولو افترضنا حدوث قصة حب عبير وقاسم شرف في الواقع وطُلقت عبير من زوجها وتزوجت بقاسم سنجد بعد فترة أن هذا الحب قد مات بسبب الروتين والملل والمشاكل الزوجية المعتادة في كل البيوت، بالتأكيد لن يظلا عمرهما كله يتحدثان في الأدب والثقافة والفن وستجد عبير أمامها رجلًا عاديًا مثل زوجها السابق.
الكاتبة فكرية شحرة كاتبة متميزة لها روايات عبرت عن آلام المجتمع أبرزها (صاحب الابتسامة) وهي في ثلاثة أجزاء، وقد صورت حرب الحوثي على اليمن شمالًا وجنوبًا والانتهاكات التي مارسوها على المواطن اليمني، وأيضًا رواية (الثجة) التي تحدثت عن العصبية القبلية وتطرف من ينتسبون إلى سلالة آل البيت على باقي أفراد الشعب، وفيها تطرقت إلى شيء بسيط من معاناة المرأة القروية بواقعية بعيدًا عن المبالغة ومهاجمة المجتمع، وعرضت بحيادية السلبيات والإيجابيات في الأحداث والشخصيات، وربما تكون رواية (عبير أنثى) من الروايات التي كتبت في البدايات لذا هي أقل نضجًا، لذلك فضلت الكتابة عنها لأن صغيرات السن يتأثرن بمثل هذه الروايات ويتعاملن مع الواقع من خلالها.