سر من أسرار السعادة

أحدثكم اليوم عن سر من أسرار سعادتي في حياتي.. والسر يكمن في أنني دائما متسامحة مع الآخرين.. لا أحمل كراهية أو ضغينة لأحد .. حتى ولو كانوا الأشخاص الذين تسببوا في ألمي.
ووجدت أن أسرع علاج لهذا الألم وأسهل طريقه لألتئام الجرح هو التسامح، لأنه من يعطيك السلام الداخلي وهدوء النفس والطمأنينة ويغسل قلبك من أي ضيق و حزن…تسامحوا وأغفروا واعفوا عن الآخرين طمعا في أن الله يغفر لكم، و تأكدوا أن التسامح قادر علي أن يلين القلوب القاسية ويحول الكراهية إلى حب.. وإحترام .
هل سألت نفسك يوما ما هو الفرق بين التسامح والعفو؟..التسامح هو الأحترام المتبادل في التعامل بين الناس..قدرتك على تقبل الإختلاف في الأخريين التي قد تكون تعارض معتقداتك وقيمك.. والتعايش السلمي.
أما العفو هو قدرتك على التخلي عن الغضب و الإنتقام ، والتنازل عن حق الرد على الأذى الذي تعرضت له، ونجاحك في أنك تستطيع التجاوز والمضي قدماً بعد تجربة قاسية ، والتحكم في غضبك و تصرفاتك في ردود الأفعال.
وهنا يتضح لنا أن التسامح مرتبط بقبول فكرة الإختلاف بينما العفو هو قدرتك الشخصية على التخلي عن الغضب والانتقام.
من منا لم يتأثر بتصرفات الآخرين أو كلامهم؟.. ربما تعرضت في طفولتك لانتقاد من أحد الوالدين باستمرار، أو أفسد لك صديقك المقرب مشروعًا، أو عشت تجربة قاسية تسببت لك في صدمة،
وفي كثير من الأحيان تكون فكرة التسامح لدى بعض الأشخاص صعبة، خاصةً إذا كان الشخص الذي آذاك لا يعترف بارتكاب الخطأ، ولكي تستطيع تجاوز الأمر، حاول أن تقف في الجهة الاخرى، و ضع نفسك مكانه، لكي تستطيع رؤية الموقف من وجهة نظر الطرف الآخر.. وفكر جيدا في الظروف التي دفعت هذا الشخص لما فعله، ربما كنت ستتصرف بنفس الطريقة لو كنت مكانه!! دائما ضع نفسك مكان الآخر، حتى لو قلت في سرك وأنت تقرأ هذه الكلمات الآن.. بالطبع لا ! من المستحيل أنني كنت فعلت مثله حتى لو وضعت في مكانه.. إذا كنت هذا الشخص يجب أن تكون سعيدا لأن الله وهبك طيبة القلب وسماحة النفس ونبل الأخلاق وأنك أفضل ، وتأكد أن الله سبحانه وتعالى هو من وضعك في هذا الموقف لكي ينور بصيرتك ويدلك على الطريق الصحيح، ويجعلك تتوقف عن العطاء لـ أشخاص غير جديرين بك، و تذكر قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)
وقال تعالى أيضاً: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ (الحجر:85).
ومن صور جهاد النفس أن تستطيع أن تضع بدل الإساءة إحسانا ومكان الغضب تسامحاً و عفوا وحلما، لقوله تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (النور:22).
وفي بعض الأحيان يستغرق التسامح وقتاً طويلاً ، فلا تلوم نفسك علي مشاعرك ، واعطي لنفسك الفرصه الكافيه للنسيان بالبعد الكامل عن مصدر هذا الأذى بمعنى انك تتوقف عن رؤيته أو متابعة أخباره أو محاولة الاتصال به لفترة، لكي تهدأ وتنجح في التجاوز، وتذكر قول الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ (الأعراف:199).
إن الهدف الأساسي من التسامح هو تهذيب النفس وتدريبها على الصفح، و قد يكون سببا لتغيير حياتك للأفضل لأنه يجلب لك السلام النفسي والسعادة الروحية ، و يحررك من أفكار الكراهية والبغضاء، الانتقام والغضب ، واستحواذ التفكير في الطرف المؤذي على حياتك بشكل سلبي.
وإذا كنت أنت الشخص الذي يحتاج للصفح، عليك أولا أن تعلم عندما وصلت إلي هذا الجزء من المقال، واهتمامك أن تكمله انك تملك نفس صالحه ترغب في التغيير إلى الأفضل ، وعليك مراجعة نفسك والاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها، ومعرفة مدى ضررها على الأشخاص الآخرين أمام نفسك أولا ، ثم مواجهة الطرف الآخر
واحذر أن تحاكم نفسك بقسوه أو تجلد ذاتك، وتفكر أن عقابها.. بل حاول أن تتواصل مع من قدمت لهم الإساءة إليهم ،وتسببت لهم في الأذى أي كان نوعه، وعبر عن شعورك الصادق بالأسف والندم، واطلب العفو والسماح من دون اختلاق أعذار.
مع العلم أنك لن تستطيع أن تجبر أحد على مسامحتك، لأنهم في بعض الأحيان يحتاج الآخرون وقت في اتخاذ قرار الغفران والصفح، وحتي لو استغرقت تستغرق وقتًا طويلاً، عليك أن تتعامل مع الآخرين برحمة وحب قبل الاحترام، حتى يتجاوزوا، الأزمة وينسوا ما فعلته بهم، وأنك خذلتهم يوماً.
في النهاية جاء ديننا الحنيف بالحب والتسامح، والصفح، وحسن التعايش مع كافة البشر، لذلك يتوجب علينا أن نزرع في أبنائنا منذ نعومة أظافرهم، العفو، والتسامح، والصفح عن المسيء، والخوف من أن نظلم أحد والصبر على الأذى، واحتساب الأجر من الله تعالى.
هكذا جاء الإسلام ليخلق مجتمع مبني على الفضائل، وحُسن الخلق والصفات النبيلة وأهمها التسامح والعفو والصبر على الإساءة والأذى، والاحتساب والبعد عن الغضب ، والانتصار على النفس.
كلا منا يقابل في حياته يوميا ما يؤلمه ويسمع ما يؤذيه، ولو تركت نفسك حره دون قيود لترد الإساءة بمثلها لتحولت الحياة إلى غابة تعيش في صراع دائم وما استقام أبدا المجتمع، وما صلحت العلاقات الاجتماعية التي تربط بين الناس .
هذا هو المجتمع الذي يأمله ديننا الإسلامي.. مجتمع متحد ، سليم، متماسك البنيان، يتسم بالود، والمروءة، والخير، والفضل بينهم ليعيش في أمن وأمان واستقرار.