هل من صحوة ؟

تحدث ابن خلدون في «مقدمته» عن أحوال العالم والأمم وقال: «إنها لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر إنما هو أختلاف على مر الأيام والأزمنة وانتقال
من حال إلى حال» ولكن الجدلية التاريخية أثبتت أن كل العلاقات شانها شأن كل المتغيرات تمر بأزمات ولعل الموقف الذي تعرضت له المعرفة نهاية القرن الثامن عشر جعلت الخطاب المعرفي يتوقف عن لعب الدور التنظيمي الذي كان يمتلكه في المعارف الكلاسيكية
ولم يعد ثمة شفافية بين نظام الأشياء أو نسقها وبين التمثلات التي يمكن أن تحصل لنا عنها، فقد انكفأت الأشياء وعادت إلى كثافتها الخاصة بها، وإلى تطلّبٍ خارج عن التمثل. وهكذا ظهرت اللغات مع تاريخها والحياة مع تنظيمها واستقلاليتها والعمل وقدرته الخاصة به على الإنتاج. وهذا ما دفعني إلى أن أقول جميل جدا أن نحافظ على علاقاتنا وعلى وجودنا إن كان هذا حال الوجود والأجمل أن نرى من حولنا جيدا بعين تواضع وحب وإحترام لكل مبدع بكلمة بحرف بإبتسامة وبشكر متميز والفرد وإن علا شأنه فمآله الفناء وها نحن نفقد القريب والبعيد بالموت بكل أشكال فلا مجال لأن تحمل معك حتى أنفاسك وحيث يخيم اليوم شبح الهلع على الأجتماع البشري ويتطلع الإنسان إلى ما يمَكِّن الأجتماع من جديد من مواصلة سيره والتبشير بإنتهاء ليل قد ولّى بعد هذه الموجة َمن الكوارث الطبيعية التي لابد لكل فرد منا أن يراجع نفسه بعدها لعله يجد طريقا لخلاص من براثن الحسد والكره والنفاق والخيانة بشتى أنواعها فأين صحوة العقل ونوره ؟وهل يتصالح العقل مع الذات البشرية وتعاد له مكانته في تحديد دوره في معرفة أعمال المنطق في الترابط الفكري على الأقل في هذا الجانب الادراكي ؟
هذه الصحوة تستدعي إيقاظ الضمير والخُلُق الإيماني الإنساني في كل فرد على هذا الكوكب وإخراج أوهام القوة والمتعة والتفوق وأساطير ديمومة الظروف المواتية من الأذهان وبقاء الأحوال الإجتماعية والأقتصادية .
هل يمكن لزلزال الكرة الأرضية أن ينبّه الإنسان إلى زلزال الفقر الذي يحيل حياة المليارات البشرية إلى البؤس والجوع والإبادة ولو بقي الفقراء أحياء (لكنهم أحياء أموات )إنها الحقيقة فزلزال الأرض يعمل بالصدمة أما زلزال الفقر فيعمل ببطء وكذلك شأن فقر القيم والأخلاق إذ يتباهى الإنسان على مر العصور ويتفاخر على غيره من الكائنات بالنطق والتفكير وتناسى أنه أهتم بالنزعة الحيوانية فيه كما قال المعري “والذي حارت البرية فيه…. حيوان مستحدث من جماد”لأن التعبير وإن ترجم إلى عديد اللغات لا فائدة له دون التطبيق ومثل العطاء برهان على ذلك كثيرا ما نتحدث عن الحب فهل نجيد هذه تطبيق هذه القيمة الانسانية؟وتعلم بأن الموت يجمعنا رغم أختلافاتنا وثقافاتنا وأنتماءاتنا بطريقة أو بأخرى فأين صحوة العقل ؟
يرى ميشال فوكو في كتابه “تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي» الصادر في العام 1961أن المشكلة هي النظرة الواقعية للمجتمع بشرائحه فلا نسقط الأفكار بأفكار أخرى ونغوص في الوهم “وعلى هذا فإنكم تجدون أنفسكم مواجهين بمشكلة مزدوجة: مشكلة تاريخ ومشكلة صياغة”وعليه كيف يرى المفكر اليوم المعرفة وهل يجوز لفلسفة فرعية أن تتخذ لنفسها موضوع متميز لنصوص وتفصلها عن تاريخ المعرفة ؟
كيف لنا أن نعيد قراءة نصوص مونتسكيو وديديرو أو مقالات دوركهايم او مقدمة ابن خلدون في غياب عميق لمفهوم جوهر الأفكار؟