Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الأدب والشعر

الباشويه تليق بك

حسام الدين الغيري-تونس

حسام الدين الغيري-تونس

كانت الساعة حينها تشير إلى السابعة مساءا، لقد مرت ثلاث ساعات على جلوسه في غرفته وحيدا، منفردا، حاول النوم لكن النوم تمنع عنه، تناول مصطفى عود الثقاب في صمت وأشعل سيجارته بتلهف شديد.نهض من فراش الموت وأطل على نافذة الحياة ، لقد هدأت العاصفة وانقشعت الغيوم وعزفت الأمطار عن النزول، كما هدأت نوبة الحزن التي اجتاحته ذلك المساء، اذ أن مصطفى بخيل في كلامه، كريم في عواطفه وتلقائيته، وهو أيضا شديد التعلق ، قليل التملق، يتمتع بحساسية مفرطة وحدس فريد، وفي لافكاره ومعتقداته ومبادئه وعائلته وأصدقائه القلائل، فالشاب الوديع الجسور، الطيب القنوع، الهادئ الحالم، الحزين البشوش، سلطان الغرام وسيد الهوى، كان ولا زال يلقب ب” الباشا” وذلك منذ السنة الأولى من دراسته بالمعهد الثانوي . لقد كان اسمه الرسمي المسجل بدفاتر الحالة المدنية وبأوراقه الرسمية سببا من الأسباب التي جعلته ينال شرف تلك التسمية. لقد كان أباه أستاذا للتاريخ في الجامعة التونسية وكان شديد التأثر بالافكار التحررية لمؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك. لقد كان يؤيد بشدة ضرورة إرساء دولة علمانية حديثة. فسمى إبنه الأكبر ” عبد العزيز” احياء لذكرى والده، أما طفله الثاني فتفنن في تسميته فأطلق عليه اسم “مصطفى كمال”. ابتسم مصطفى عند تذكره لتلك اللحظات الجميلة، لحظات تنصيب “الباشا”، أطفأ سيجارته بسرعة وتناول ألبوم الصور من الرف العلوي لمكتبته لعله يحيي مجده من جديد. لقد تم تخليد تلك الذكرى بصور التقطت بتلقائية شديدة ،في حفل بهيج وجو من المرح والسعادة وذلك بالمعهد الثانوي في حفل اختتام السنة الدراسية. كانت ساحة المعهد تعج بالحاضرين من تلاميذ وأولياء. لقد حضر جميع الطلبة دون استثناء، حيث سيتم تكريم الطلبة المتفوقين، كما سيقع الاحتفال باختتام نشاط النوادي الثقافية بالمعهد.كان مصطفى عضوا نشيطا في نادي المسرح، وقد اتفق مع نخبة قليلة من زملائه على تقديم مقطع من مسرحية “لو عرف الشباب” لتوفيق الحكيم، حيث سيؤدي دور “الباشا” الذي يعاني من أمراض الشيخوخة، الا انه شرب اكسير الشباب فتحول الى شاب في الخامسة والعشرين من عمره. قدم مصطفى دور البطولة في تلك المسرحية، لقد تقمص الدور ببراعة شديدة. لقد تملك عيون الحاضرين وعقولهم وقلوبهم، كان الجمهور يتابعه بكل اهتمام وشغف، يراقب حركاته وصولاته على ذلك الركح الخشبي البسيط، كما أعجبهم هندام الباشا، تلك البدلة المميزة التي استعارها من أخيه عبد العزيز الذي يكبره بست سنوات، كانت فضفاضة بعض الشيء الا أنها أدت الغرض المطلوب. لقد ملك قلوب الحاضرين الذين لا يفقهون الا النادر القليل عن المسرح المعاصر، لقد كان سيد المسرحية وملك حفل اختتام السنة الدراسية بلا منازع. انتهى العرض، صفق الحاضرون طويلاً لمصطفى في ذهول، الا أن أصواتهم قد ملأت ساحة المعهد هاتفة” الباشا، الباشا، باشا يا باشا،إنه الباشا، مصطفى كمال باشا، مصطفى كمال باشا” . غمر مصطفى الفرح والسرور في تلك اللحظة، لقد ذاق لأول مرة في حياته عذوبة التحدي، لذة الانتصار، عودة الروح، بداية القصة، لقد عرف في تلك اللحظة طريق النجاح. لا يزال يذكر دموع والدته وابتسامة الفخر التي رسمت على وجه أبيه. انحنى مصطفى ليحيي جمهوره قبل أن يرفعه أصدقاءه على الأعناق مرددين” باشا يا باشا ، مصطفى كمال باشا “، لقد كرمه مدير المعهد في ذلك الحفل البهيح، كما كرمه والي الجهة خصيصا فيما بعد نظرا لصيت” الباشا” الذي ذاع في كامل أرجاء المنطقة. منذ ذلك الحين ، لقب مصطفى كمال ب”الباشا”، حيث لا يحلو لسكان مدينته وزملائه وجيرانه الا بمناداته بذلك الاسم. لقد تتالت أعمال مصطفى المسرحية في المعهد ودور الثقافة أيضا ، وتعاظمت نجاحاته الى أن نال شهادة الباكالوريا في الاقتصاد والتصرف بإمتياز. وبدأ مشواره في دراسة التصرف بكلية العلوم الاقتصادية والتصرف بتونس العاصمة أين توهج “الباشا” كرائد من رواد المسرح الجامعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى