الخلق والقيمة السلوكية

يكثر التساؤل حول العلاقة بين الخُلق والسلوك فالخُلق هو القوة المعنوية التي تدفع الشخص إلى أختيار أفعال معينة والسلوك هو أسلوب الشخص في تصرفه وأتجاهاته في أعماله وبهذا الأعتبار يكون السلوك مظهراً أو تعبيراً أو مرآة للخلق وبسلوك الشخص نستطيع أن نحكم على أخلاقه ونصفه بأنه ذو خلق حسن أو خلق سيء .
ويؤكد الجوهري ( على أن العلاقة بين الخلق والسلوك هي علاقة الدال بالمدلول فإذا كان الخلق صفة النفس الباطنة وهو يدرك بالبصيرة فإن السلوك صفة النفس الظاهرة وهو يدرك بالبصر فإذا كان سلوك الإنسان حسنا ً محمودا ً كان خلقه محمودا وإذا كان سلوكه سيئا ً مذموما ً كان خلقه سيئا ً مذموما ) وهذا إذا لم توجد أسباب خارجية تؤثر على السلوك فتجعله لا يدل دلالة صادقة على الخلق كمن يتصدق رياء وأيضاً إذا لم توجد موانع تمنع من دلالة السلوك على الخلق كالشخص الكريم الذي لا يجد ما يجود به فتبرز أهمية الأخلاق في حفظ المجتمع من المظاهر السلوكية الفاسدة مما يجعله مجتمعا قويا تسوده قيم الحق والفضيلةوالإحسان وتحارب فيه قيم الشر والفساد وإن العقل العملي أساس الأخلاق وهذا العقل هو الذي يسمى “الضمير” والمقصود المعنى الحي الذي فطر الإنسان عليه دون أن تشوبه
الشهوات والنزعات المنحرفة .
يرى “كانط “أن الخلق هو ما يجعل السلوك حسنا و ينبغي أن نعتبر الخير دائماً في مطابقة العمل بقانون الواجب ومعنى ذلك ألا يبعث على العمل سوى صوت الواجب وأن الشر دائماً وهو مخالفة داعي الواجب أو اشراك باعث آخر ومما يزيد من أهمية الاهتمام بالأخلاق ما يشهده المجتمع البشري اليوم من تحول إلى قرية صغيرة حيث لا حواجز تحول دون امتزاج الثقافات وتداخلها بكل عناصرها الايجابية والسلبية إضافة إلى تعدد وسائل الاتصال والتكنولوجيا ونقلها للخبيث والطيب والمفيد والضار الأمر الذي يؤدي إلى تسرب سلوكيات هدامة تؤثر على بناء المجتمع الأخلاقي فعرفت الأخلاق الإسلامية على أنها ” المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني والتي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم وتشكل منظومة الأخلاق الإسلامية مفصلا ً أساسياً في الحركة الإنسانية والبناء الحضاري القائم على احترام إنسانية الإنسان والأساس لحماية إنسانيته وقد جاءت الأخلاق في الشريعة الإسلامية على أسمى درجات السمو والارتقاء لأن الله سبحانه وتعالى جعل نفسه ” المثل الأعلى ” لأخلاق المؤمنين وطلب منهم أن يتخلقوا على نمط ما أعلمهم من نفسه جل شأنه من صفات الرحمة والود والحلم مع ملاحظة الفارق التام بين الخالق والمخلوق قال تعالى:(لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ۖ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)سورة النحل الآية 60 .
وعليه فإن كان يختلف التفكير الأخلاقي عن القيم الخلقية فالقيمة الخلقية تشير إلى ما يعتقد الفر د أنه صواب وما يعتقد أنه خطأ أما التفكير الأخلاقي فيتعلق بالطريقة التي يصل بها الفرد إلى حكم معين يتعلق بالصواب أو الخطأ إذ أن للأخلاق أهمية بالغة في ارتقاء الأمم والشعوب وانهيارها ملازم أيضا ً لانهيار أخلاقها وذلك لأن الأخلاق الفاضلة في أفراد الأمم والشعوب تمثل المعاقد الثابتة التي تعقد بها الروابط الاجتماعية ومتى انعدمت هذه المعاقد أو انكسرت في الأفراد لم تجد الروابط الاجتماعية مكاناً تنعقد عليه كما أن الأخلاق تعطي نمطا معينا من الشخصيات الإنسانية القادرة على التكييف الإيجابي في المجتمع سواء المحلى أو الدولي.