Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.

المفارقة بين الإختيار والحتمية

إذا تجاوزنا المفهوم الشائع للمفارقة بوصفها صياغة لغوية قائمة على تناقض بين معنى ظاهر وأخر خفي فهي لعبة عقلية من أرقى أنواع النشاط العقلي وأكثرها تعقيدا وأهمية المفارقة تكمن في رفع مستوى النص الشعري وضرورة أن يوازن الشاعر في مفارقاته بين العقل والمشاعر لأن الشعر أساسا هو وليد الأحاسيس والمشاعر إذ تحتاج المفارقة إِلى ذهن متوقد وروح ذكية من الأديب أو الشاعر والمتلقي على السواء

حتَّى يُحال النص الشعري إِلى شلال من الحيوية المتدفقة على المستويين الفكري والفني، وبذلك يمتلئ النص بالإثارة والمتعة والإفادة والأستجابة لدى المُتلقي.

والمفارقةُ تغلغلت في تضاعيف بعض نصوص الملاحم القديمة، ولا سيما ملحمة كلكامش  الزاخرة بالمفارقات التي أغنت النص الشعري وأعطته دفقة وحيوية ولقد أتضح للجميع

.وأن المفارقة ظاهرة أدبية عرفتها ملاحم الشعوب القديمة على أختلافها وهي قديمة قِدَم قدرة الإنسان على إبداع الفن وتذوقه شعراً ونثراً.

وإذا تقدمنا في الزمن حتى عصر ما قبل الإسلام فسنجد المفارقة تتخلل النتاج الشعري لهذا العصر في البعدين الفكري والفني الظاهرة وتظهر عند الشاعر الجاهلي الذي يمتلك ذهناً فطناً وروحاً محلقة في سماوات الإبداع والجمال ، وتمكنُاً مذهلاً من اللغة ما أعطاه قدرة مميزة على نسج مفارقات ـ بوعي في الأغلب الأعم ـ عبرت عن تناقضات واقعه الصعب ومشاعره الملتهبة المكبوتة

بإرادته التي روضتها العادات والتقاليد الإجتماعية ، وطموحاته الإنسانية والتحديات التي يواجهها ، والتي تأخذ في داخله بعداً نفسياً مؤلماً ، فالمفارقة عند الشاعر الجاهلي مخاض وألم وتطلعات، فلا بد أن هناك وثاقة بين المفارقة والخطاب الشعري الجاهلي شأنها في ذلك شأن بقية عصور الشعر، بسبب التناقضات والتضادات الوافرة التي يرزح تحت لوائها العصر برمته، والقيم الاجتماعية والأخلاقية ، والتجارب الوجدانية، والأبعاد الدينية.

لاستحواذها على الفكر والنشاط اليومي للإنسان الجاهلي، ولا سيما إفصاح شعراء العصر عنها فالرفض في شعر المتنبي يمثل مفارقة جدلية في التشبيه، وكسر التوقع، ومفارقة الأستعارة، ومفارقة الكناية وفي ضمنها التعريض والمفارقة التلويحية والمفارقة الرمزية، والتضاد المتداخل، والمدح والذم ولعل قصيدته في العيد تعد مثالا دالا على وضوح بنية المفارقة بعد الجفوة التي حصلت بين المتنبي وسيف الدولة ومن البنى البديعية الرئيسة التي شكلت المفارقة في شعر المتنبي في حركتها الداخلية،التقابل والجناس والترصيع والتصريع ورد العجز على الصدر .

يقول (كونوب ثرلوال ): (( التناقض بين الإنسان بآماله ومخاوفه وأعماله وبين القدر المظلم العنيد يقدم مجالاً واسعاً للكشف عن المفارقة المأساوية وإنّ كان التوقع والأنتظار هما جوهر التقنية الجمالية للمفارقة، فكلما زاد الفرق بين ما يتوقع حدوثه وبين ما يحدث فعلاً تبدو المفارقة أكثر وضوحاً وأعمق أثراً فشدة التضاد والتنافس بين وجهتي النظر المعروضتين تدفع المفارقة إِلى ذروتها الفنية والفكرية يقول ميويك في هذا الشأن :(( إِنَّ المفارقة تقدم بلا تحيّز وجهتي نظر متعادلتين متعارضتين .. وإِن كان التفريق هو أبرز ما يتخذ صفة المفارقة وأخيرا فإن النظرية الأنعكاسية الضمنية بأن العلاقة بين الأدب والمجتمع هي علاقة قولبة يؤكد أن الأدب هو نموذج للمفاهيم والنظريات الاجتماعية التي يتمنى تكرارها في المجتمع فتكون الحقائق العفوية للمجتمع كنتيجة للكتابات الأدبية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى