الأخلاق والموروث الثقافي

الإنسان كائن أخلاقي وهذا يعني أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يطرح أخلاقية ويحاول أن يجعل سلوكه ينسجم مع القيم الأخلاقية و ذلك لأنه يتعدى حاضره ليتطلع إلى المستقبل البعيد والماضي البعيد في نفس الوقت الذي يعيش الحاضر وهذا ما قصد هيدجر عندما قال : الإنسان كائن ذو أبعاد
بالإضافة إلى ذلك يتميز الإنسان بطبيعة مزدوجة فهو عقل وعاطفة روح وجسد يطمح إلى المطلق في نفس الوقت الذي يخضع فيه للزمان والمكان و إن كانت هذه الثنائية الميتافيزيقيا هي التي جعلت الإنسان كائنا أخلاقيا والحيوان حيوانًا فلا يعرف الأخلاق لأنه يعيش في الحاضر وبدافع من الغريزة فقط ولكن ماذا نقصد بالأخلاق ؟ هل هي تلك العادات الشائعة في المجتمع؟ أم هي تلك الأخلاق النظرية التي يحدثنا عنها الفلاسفة؟
نلاحظ أن كل مجتمع يتوفر على مجموعة من الأوامر والنواهي وهذه الأوامر والنواهي تختلف من مجتمع إلى آخر ومن عصر إلى آخر وما يسمح به هذا المجتمع قد لا يسمح به مجتمع آخر وما يسمح في هذا العصر لم يكن يسمح به في عصر سابق كما أن العادات الأخلاقية تتغير وتتطور وهذا يعني إنها ليست مطلقة وإنما نسبية إلا أن هذه تتوفر على قوة الإلزام بحيث إذا ما خرج عنها الفرد قوبل خروجه بالإستنكار من طرف المجتمع فالسلطة التي تتميز بها العادات الأخلاقية دفع البعض إلى تميز بين الأخلاق و العادات الأخلاقية وقد تجلى ذلك في موقف المدرسة الإجتماعية التي تزعمها دور كايم والتي ذهبت أن لكل مجتمع أخلاقه الخاصة به ولا وجود لأخلاق مطلقة لا تتغير ولا تختلف بأختلاف الزمان والمكان ويرى دور كايم أن الضمير الفردي الذي تعتمد عليه الأخلاق ليس سوى صد للضمير الجمعي والإلزام يصدر عن المجتمع في بداية الأمر ثم يتبناه الفرد فيصبح إلزاما فرديا إلا أن الإلزام في شأنه إلزام أجتماعي وهذا ما يفسر لنا تغيره من مجتمع لآخر ومن عصر لآخر وينفي دوركايم وجود ضمير فردي فالفردية وهم ولا وجود لها في الواقع لأن الفرد يستمد إنسانيته ووجوده من المجتمع ولكن هل يمكن أن نرد الأخلاق إلى مجرد ظاهرة اجتماعية ؟ وهل يمكن أن نجعل الأخلاق عبارة عن دراسة للسلوك كما هو في الواقع ؟ إن الأخلاق دراسة معيارية للسلوك أي دراسة السلوك كما يجب أن يكون لا كما هو في الواقع حيث أنا إذا جعلنا الأخلاق دراسة للعادات الأخلاقية لأصبحت جزءا من السوسيولوجيا أو علم الأجتماع ولما كان هناك مبرر لدراسة الأخلاق خارج نطاق السوسيولوجيا . والإنسان عندما يرى مظهر للتغير والتعدد
فلا بد أن يتساءل فيما إذا كان يوجد خلف هذا التغير ثابت لا يتغير كما يتساءل فيما إذا كان يوجد خلف التعدد أو الكثرة واحد صدرت عن تلك الكثرة لهذا قال شوبنهاور :إن الإنسان حيوان ميتافيزيقي أي يطمح إلى إيجاد ثابت خلف ما يراه من تغير فهو يتساءل مثلا عن إله لهذا الكون أي عن سبب أو لا يتغير صدرت عنه جميع الأسباب وعلى الصعيد الأخلاقي يتساءل الإنسان عن وجود أخلاق نظرية أو ميتا فيزيقا مطلقة خلف ما يراه من عادات أخلاقية تختلف من مجتمع إلى آخر ومن عصر إلى آخر .. ونقصد بالأخلاق النظرية تلك الأخلاق التي يحدثنا عنها فلاسفة الأخلاق والتي تتعلق بالقيم الأخلاقية كالخير والشر والعدالة والفضيلة … بوصفها قيما مطلقة لا تتغير بتغير الزمان والمكان وقد يؤخذ على هذه الأخلاق إنها أخلاق تتعدى كثيرا السلوك الإنساني ولا علاقة لها بالواقع كما يعيشه الإنسان .
كما يؤخذ عليها إنها تختلف من فيلسوف لآخر وإنها جزء من الفلسفة التي يدعوا إليها الفيلسوف وإذا كان هذا الإعتراض مقبولا في حد ذاته فهل يجب نتيجة لذلك ، أن نقضي على الصلة القائمة بين الأخلاق والميتافيزيقيا ؟ أن علمك اليوم يشهد بإستمرار تقدما تكنولوجيا هائلا ، وهذا التقدم اتجه في بعض الأحيان نحو التخريب والدمار بحيث أصبح الإنسان بحاجة لا إلى مزيد من التقدم التكنولوجي وإنما إلى مزيد من الأخلاق لتوجيه هذا التقدم لخير الإنسان وسعادته وهذا يعني أن بالإمكان إقامة أخلاق نظرية تتعدى الواقع وتوجهه في نفس الوقت ننتهي من كل ذلك إلى أنه لا يمكن أن نرد الأخلاق إلى مجرد دراسة للعادات الأخلاق دون أن ننسى أن على الأخلاق أن توجه السلوك لأنها قبل كل شيء دراسة للسلوك الإنساني لا كما هو في الواقع وإنما كما يجب أن يكون .