Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الأدب والشعر

رسائل طفلٌ سُكري  

لمياء عبدالله النفيعي

لمياء عبدالله النفيعي

١” إلى أمي؛ عندما تلاحظين أنني أعرقُ كثيرًا، وأعطش عطشًا شديداً، وأشعر بالجوع دائمًا، واخسر وزني بسرعة، و تصبح رؤيتي للأشياء مشوشة، ورجفةٌ في يديّ ، ورائحةٌ غريبةٌ تصدر من جسمي كرائحة الفاكهة، وتتغير تصرفاتي، وأفقدُ متعة اللعب مع أقراني وأشعر بالإرهاق، وعدم قدرتي على التركيز، وأبللُ فراشي بالرغم عني؛ أو حتى أغيب عن الوعي! أرجوكِ لا توبخيني أو تغضبي مني أو حتى تعاقبيني؛ فأنا مريض بداء السكري ! اسرعي بي للطبيب كي لا تتفاقم حالتي المرضية لأنهُ بدون “الانسولين” سيُدمر جهاز مناعة جسمي فتسوء حالتي!”

 

(2)

“يا أمي ! لا تجزعي!، سيشرح لكِ الطبيب عن وضعي وكيفية المحافظة على صحتي ونظامي الغذائي والدوائي، أرجوكِ لا تبكي! فحالتي ليست بهذا السوء بفضل الله عز وجل، لقد تم اكتشاف علاج لداء السكري إلا هو “الانسولين” على يد العِالم “فردريك بانتنغ” قبل مائة عام، بعد تجارب ناجحة أجراها في المختبر على الكلاب والحيونات الأخرى والتلاميذ لينقذ بفضل الله حياة ملايين من البشر المصابين بمرض السكري كان يسلبهم الصحة والحياة ويقضي عليهم بعد بضعة أسابيع.

يا أمي! هل تعرفين ماهي وظيفة الانسولين؟ هو هرمون يفرزه البنكرياس! أنه مفيد في تحويل السكر في جسم الإنسان إلى طاقة ليستخدمها الجسم حيث يخفض مستوى السكر في الدم بعد تناول طعام أو شراب يحتوي على نسبة عالية من السكر ليعود مستوى السكر الطبيعي في الجسم الصحي، لكن ماذا يحدث إذا صار خلل في هرمون الإنسولين أو توقف عن الإفراز من البنكرياس؟! ترتفع نسبة السكر عن معدله الطبيعي ويحدث خلل في وظائف الجسم بسبب “داء السكري” لأن الأشخاص المصابون بهذا النوع ينتجون كمية قليلة جدًا من الانسولين أو لا ينتجونه مُطلقًا.

(3)

“لقد شعرتُ بكِ يا أمي عندما أصابكِ الذهول والصدمة ولم تتقبلي حقيقة أمر مرضي، كنتُ أسمع بكائك من خلف الباب بالرغم أنك تواجهيني قوة وصلابة وابتسامة قوية، والدموع في عينيك، وأنا كأنني لم أرى شيئا، أتعلمين لماذا؟ لأني استمد قوتي من قوتك العظيمة، وأيضا لم تغب عن ذكراتي هلع أبي عليّ، ونقاشه الحاد مع الطبيب عندما ظهرت نتائج التحاليل وطلب منه إعادتها مرارًا ربما كان هناك خطاء ما، ولكنه قدر الله، وأعلم أنك تواصلتِ مع مدرستي وأخبرتهم عن حالتي فكانوا خير معين لي، قدموا لي كل الدعم والتسهيلات مما ساهم في رفع معنوياتي، وإذا ارتفع السكر يقدمون لي الإسعاف اللازم، وكانوا متفهمين لحاجتي الملحة أحياناً للشرب أو قضاء الحاجة، ألا تحزني عندما تشاهديني اتناول جرعات حقن الإنسولين يومياً، واقيس مستوى السكر لدي ثلاث مرات في اليوم التي تؤلمني وخزها، ولكنني شجاع وقوي لا أخاف من وخز الإبر، وأعلم أنك فخورة بي رغم حزنك وخوفك عليّ، فلا تبتئسي، لقد اعتدتُ على ذلك”.

(4)

“لا أخفيك سرًا يا أمي لقد ندمتُ كثيرا عندما تناولت عدة ملاعق شوكلاته سائلة خلسة واستمتعتُ بمذاقها الطيب كأنها تسري في شرياني وتشعرني بالسعادة وحلاوة مذاقها في فمي، لكن ماذا حصل؟ دخلتُ في غيبوبة السكر، وسببت لكِ خوف شديد وكنت تحاولين إنقاذي بشتى الوسائل ونجوت بفضل الله، وأفرحُ كل ليلة حين تأتين إلى غرفتي بهدوء خشية من إيقاظي ، وتداعبي شعري بحنان، وتشمي رائحتي، حتى أشعر بدموعك الساخنة على وجنتي، وملامسة يدك طرف أصبعي لقياس معدل السكر عندي، عندئذ تكتشفين بأن بللت بجامتي! تخافتيني بهدوء لتغيير ملابسي، وأنا أبدو لكِ نائم لكي لا أقلقك، وحالما تخرجين كنتُ أبكى كثيرًا، والألم يعصف في قلبي حُزنًا عليك وعلى نفسي يا أمي، وأتذكرُ أقراني حين كنا نحتفل يؤكلون ما ألذ وطاب، وزملائي يشترون من المقصف ما يشتهون، وأنا لا أستطيع لسلامة نفسي وصحتي، فكم أمنيات تمنيتها لأصبحُ ولد خارق لمحو مرض السكر من الوجود؛ وقتئذ تذكرتُ كلامك الجميل الهادئ كالبلسم على فؤادي للتخفيف عني بأن لا أحزن! لأن الله معنا وأنه يحبنا، فدعوت الله كثيرا بأن يحبنا حبًا جمًا، ويحفظك لي مدى العمر، أتعلمين كم أنا محظوظ جدًا بأن لدي أم مثلك تحاول تثقف نفسها وتجمع معلومات عن داء السكري للحفاظ على صحتي وتسعي لراحتي وتتاكد بأنني بصحة جيدة، أوعدك عندما أكبر سأهتم بكِ و أرعاكِ جيدًا كما كنت تعتنين بي وأكثر، أنا أحبك يا أمي، ابنك المُحب”.

 

 

أن تقبُّل وجود مرض مزمن هو أمر صعب جدًا خاصة عندما يكون المريض طفل صغير لا يستوعب هذا المرض ولا يتقبله، وصدمة الأسرة نفسها التي لا تتقبل وتنكر وترفض التشخيص ويصيبهم الهلع بأن طفلهم سليم لا يعاني من أي شيء، وأنه عارض صحي مؤقت، ردة الفعل هذه لا تنفي حقيقة وجود المرض بل يجب التعايش معه وتقبل حقيقة الأمر والرضا بما كتبه الله عز وجل، وهناك بعض الأُسر تقبلت مرض داء السكري، وتعيش نمط حياة مختلفة تساعد أطفالهم على التأقلم والاستمرار.

 

قد يخفى على البعض أن داء السكري من الامراض المزمنة يدوم مدى الحياة ويتطلب مراقبة دقيقة ومستمرة من حيث العلاج والغذاء المتوازن و ممارسة الرياضة، لقد وصلت نسبة داء السكري في المملكة حوالي 3.7 مليون شخص، وارتفعت نسبة الإصابة خلال السنوات الأخيرة، وتعتبر السعودية سابع أعلى دولة للحالات الجديدة من داء السكري “النوع الأول” في السنة الواحدة وهو الأكثر شيوعًا بين الأطفال والمراهقين والشباب وكذلك داء السكري النوع الثاني الذي أكثر شيوعًا بين البالغين الأكبر سنًا، ولكن بسبب زيادة السمنة وقلة النشاط البدني لدى الأطفال ارتفع نسبة عدد الحالات بداء السكري النوع الثاني مما يؤدي إلى مشاكل في الصحة العامة.

 

على مدى قرون اعتُبِرَ داء السكري بمثابة حكم بالإعدام على صاحبه بسبب عدم اكتشاف الدواء اللازم لإنقاذ حياته، وكان له تأثير على حياة البشر منذُ آلاف السنين، ويعتبر من أقدم الأمراض تم اكتشافه عام 1550 قبل الميلاد في المخطوطات المصرية، ووصفها عالم اغريقي وصف دقيق يشبه تماما للمرض في وقتنا الحالي، يصاب المريض بالعطش الشديد ونقص الوزن وعادة يموت هذا المريض لعدم وجود علاج نافع له أو تجويعه ليعيش على الأقل سنتين من بعد المرض.

 

لم يتم اكتشاف “الانسولين” إلا قبل مائة عام، وكان اكتشافه ودوره في مرضى السكري طفرة طبية على يد العِالِم الكندي “فريدريك بانتنغ” في عام 1921م، كان مرض السكري في هذا التاريخ يصيب أي أحد، طفل أو شاب حيث يضمحل الجسم وتظهر أعراض أخرى يعجز الأطباء عن فهمها وإذا ترُك من دون علاج يدخل في غيبوبة السكر ومع جهل الأطباء لهذا المرض كان يتم وضع الأطفال الذين يستعدون للدخول في غيبوبة في غرفة تُسمى “غرفة الموت” مع آبائهم لقضاء اللحظات الأخيرة معهم ، وقتها كان العالم فريدريك مع مساعديه قد أجرى تجاربه على 410 كلب حيث قام بإزالة البنكرياس، وأصبحت مصابة بداء السكري ومن ثم القيام بإعطائهم مستخلصات البنكرياس عبر محلول ملحي، فبقيت أحدى الكلاب على قيد الحياة، وفي عام 1922م أجرى تلك التجربة على أول طفل في تلك الغرفة ويبلغ من العمر 14 عاما عندما تلقى جرعته أفاق من الغيبوبة، ثم بدأ بحقن الأطفال المُغمي عليهم فاستيقظ كافة الأطفال، فتحولت تلك الغرفة إلى غرفة الحياة، وأصبح إنقاذه أول شعاع أمل لجميع مرضى السكر في إنحاء العالم، وحاز الجراح فريدريك ومساعديه على جائزة نوبل، وبعدها تم تنقية الانسولين النقي، ومن ثم تم استخراجه من العجول لأنه مناسب للاستخدام من قبل البشر، في عام 1882 م لم يعد إنتاج الانسولين يعتمد على الاستخلاص من الحيوانات، وسمحت التطورات في الهندسة الوراثية بإنتاج الانسولين البشري من البكتريا، وفي عام 1885 م تم اختراع قلم الانسولين ومن ثم تطور بعدها، وصار يوضع في الجيب ويمكن استخدامها أطفال السكري بسهولة ، ومن ثم ابتكار مضخات الانسولين مما أدى إلى تحسين نوعية حياة مرضى السكري بما يتناسب مع حياتهم اليومية، وتعلق الآمال على التجارب التي تُجرى حاليا بأن يؤخذ الانسولين عبر الشم أو الفم، لقد قطع الانسولين شوطًا طويلاً في رحلته التي استمرت 100 عام حتى الآن، وأصبح اليوم العالمي للسكري يومًا رسميًا يتم الاحتفال به كل عام في 14 نوفمبر لأنه يوافق عيد ميلاد السير فريدريك وإحياء ذكراه مع مساعديه باكتشاف الانسولين عام 1922م، ويعد هذا اليوم العالمي أكبر حملة في العالم للتوعية بمرض السكري، تصل إلى جمهور عالمي أكثر من 160 دول، وتحمل رمز دائرة زرقاء تم تبنيه عام 2007، للدلالة على وحدة مجتمع السكري العالمي.

 

ومن هذا المنبر توجيه رسالة للجميع برفع مستوى الوعي حول تأثير داء السكري في المجتمع ، والتشجيع على الفحص المبكر عند ملاحظة أي أعراض، وطرق الوقاية من خلال اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة الرياضة، وتعزيز دور الأسرة في التثقيف الصحي في علاج داء السكري، والدعم والرعاية الصحية التي يحتاجها مريض السكري لتجنب أية مضاعفات، وعلى الأهل والمدرسة خاصة والمجتمع عامة بأن يلعبوا دورا إيجابيًا تجاه الأطفال المصابين بالأمراض المزمنة من حيث التقبل والدعم النفسي والمعنوي، حتى لا يشعر الطفل بالنقص وأوجاع المرض والعزلة معًا، بل يعيش بالدعم الدائم حياة طبيعية ويمارس حياته كأي إنسان طبيعي، إما إذا عُومل خلاف ذلك سيؤثر سلبًا على نفسيته فتتدهور حالته الصحية والنفسية معًا، أن الإصابة بمرض السكري ليست نهاية الإنسان بل هي بداية جديدة تُبنى على الايمان بقضاء الله، والثقة بالنفس واتباع نمط حياة صحية يضمن له العيش بأمان بأذن الله تعالى، كل عام وهم سُكر الحياة.

 

ومضة مضيئة

” تحية لكل مصاب ومصابة بداء السكري، أنتم أقوياء وبكم نفتخر”

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى