الشباب يعود يومًا!


لمياء عبدالله النفيعي
الشباب الدائم هو مطمح البشرية منذ بدء الخلق، وظهرت لنا العديد من الأساطير والخرافات في التاريخ، وأقدمها عن أكسير الحياة أو الخلود، وينبوع الشباب الدائم ، تقول لنا الأسطورة ثمة مشروب سحري يجعل الانسان مخلدًا، وشباب دائم، والغريب في ذلك زاد إيمان الناس بها، ولاقت انتشارًا واسعًا مما دفع البعض إلى البحث عن كيفية ظهورها وانتشارها، واختلفوا في ظهورها في زمن الفراعنة كأسطورة “تحوت” آله المعرفة عند المصريين القدماء الذي تناول قطرات بيضاء “الذهب السائل” فحصل على شباب أبدي، وقيل ظهرت عند الصينين لأن أحد ملوكها أمر بصنع وصفة سحرية تجعله شاب، وأقنع الحكماء بذلك رغم رفضهم التام ، وتم خداعه بذكاء وأخبروه بأن الأكسير موجود في مكان ما، ويحتاج إلى أشخاص أقوياء لجلبه من هناك، فكان الملك قائد لتلك المجموعة وانتهت القصة بموتهم، لكنها فيما بعد أصبحت أسطورة والناس مهووسين بها جدًا.
هل أنت أيها القارئ تبحث عن هذا الأكسير وترفض فكرة الشيخوخة وترغب أن تكون شابا مهما طال بك العمر! بالبحث الدائم عن مستحضرات، ووصفات غذائية لتأخير علامات الشيخوخة التي تعتبر من الأمور المزعجة لدى بعض البشر ألا هو هاجس التقدم في العمر، ويتفاجئون بالخطوط الدقيقة حول عيونهم أو بعض التحولات التي تحدث في أجسادهم، ويتمنون العودة لمرحلة الشباب، ويبذلون الجهد حتى يظلوا في تلك الهيئة ، والدليل على ذلك أبيات بسيطة لأبي العتاهية “ألا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما صنع المشيبُ” ما زالت تردد إلى يومنا هذا، التي تعبر عن مرور شريط حياة الشخص أمام عينيه وكيف مرت به السنين، و بالأمس كان فتى قوي مختال بنفسه، وأن هناك أشياء كان لابد من فعلها لكنها لم ينجزها، أو اتخاذ قرارت قد تكون خاطئة أو صائبة أثرت على مسيرة حياته، وكيف أصبح في سن الشيخوخة وقد غزى الشيب شعره وانحناء ظهره وضعفت قوته ومتحسر على شبابه ويتمنى عودة تلك المرحلة ويشكو إليه حاله، وليس هو فقط، كم من الشعراء تباكوا على فترة الشباب والندم بأنهم أصبحوا في سن الشيخوخة .
اختلف مع الشعراء قليلاً لماذا التباكي والحسرة على الشباب وأيامه؟ لأن لكل مرحلة عمرية جمالها ورونقها الخاص ومتعتها الخاصة بها، والحياة العمرية تشبه عقارب الساعة لا نستطيع إيقافها أو إعادتها للوراء، لأن فيه أوقات نعيشها في كل مرحلة تعتبر ثمنية ولها نكهة الخاصة بها، وتبقى حيز في النفس ومكانة خاصة في القلب، بعد براءة الطفولة وجمالها، وطيش المراهقة، وحيوية الشباب، يحل سن الشيخوخة بحكمته وهدوئه، وغفلوا عن شيء مهم هو موضع ذاك الشباب ومصدره فأحيانا نجد شباب وهم بعمر الشيخوخة، ونجد كبار السن وهم بعمر الشباب وتشعر أنهما أصدقاء لك، فما هو السر؟ إنه ذاك الجمال الذي يأتي من الداخل إلا هو” شباب القلب” الخالي من التجاعيد وسر الشباب الدائم والعطاء المتواصل، نجد أُناس لا يكبرون برغم امتلاء الشيب على مفارقه لكنه يملك صفاء القلب والروح المرحة وراحة البال، ونجد البعض منهم ضيعوا أيام شبابهم باللهو وضياع الوقت قابعين في شيخوختهم يؤنبهم الندم.
من أجل ذلك على كل شخص أن يستمتع بكل مرحلة من مراحل حياته وينظر للأمور بإيجابية ويتبع حياة نمطية جيدة كي يعيش في سعادة، ويتمكن من تخطي هاجس العمر، وينعكس ذلك في داخله قبل مظهره الخارجي، لأن جوهر حياة الإنسان تكمن في روحه الجميلة وثقته بنفسه والاهتمام بصحته، والقيام بالعبادات التي شرع الله ، واتباع نظام صحي، واحترام الوقت، و ممارسة الرياضة ونشاطات تجدد حياته، والابتعاد عن المشاكل، وعدم الالتفات لسخرية الآخرين، وتكوين العلاقات مع الاخرين، والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم، والمساهمة في تحقيق انجازات ونجاحات لها مردود نفسي سواء على الصعيد الشخصي والاجتماعي، والتعايش مع المجتمع وأن له دور فعال فيه، وتنمية مهارات قد طواها النسيان والاطلاع والمعرفة، ومواكبة التطور التقني ومعرفة كل شيء جديد للسيطرة على هاجس التقدم في العمر والتمسك بحب الحياة، وعدم الانطواء والعزلة عن الناس.
بكل أسف في مجتمعنا البعض ينتقدهم ويطلق أقوال سلبية ” رجل في الدنيا ورجل في القبر” أو ” ماذا بقى من العمر” وغيرها التي تؤثر على نفسياتهم، فما الذي يمنع من أن يؤدي دوره في الحياة ويعود شاباً، ويمارس حياته الطبيعية رغم تجاعيد السنين في وجهه، كما فعلت تلك السيدة كبيرة السن التي تمشي يوميا مرتدية حذاء رياضي وساعة تحسب معدل المشي لديها وتداولتها مواقع التواصل الاجتماعي! هذا دليل أن شباب القلب لا يخضع لعمر محدد، بيده أن يكون شابا مهما نال الزمن من ملامحه واكتسح الشعر الابيض رأسه، ويقهر الشيب والتجاعيد ويحافظ على صحته، ستظل روحه فتية حتى آخر لحظه من حياته، ويدرك أن جمال الشكل غير مهم، لكن سيظل أنيق في مظهره، وصديق لنفسه، ويعتاد على الهدوء، ويتجنب الذكريات الأليمة، ويدرك فيها قيمة نعم الله عليه، وشكر الله على تلك النعم التي وهبها له، ويفكر كيف يصنع يومه التي تجدد روحه، ويعتمد هذا كله على قوة الايمان بالله ، وقناعة ذاتية، وثقافة وارادة ليحدث هذا التحول العميق والإيجابي مهما كانت السلبيات التي تواجهه.
في مجتمعنا كثير من فوق الخمسين غادروا هذه الحياة دون أن يفهموا معنى شباب القلب والروح وأنهم باتوا مزعجين وعبء على من حولهم، وقتلتهم الوحدة والمشاعر السلبية والاهمال والمرض وأن نهايتهم قربت، وفي الجانب المقابل بعض منهم يمارس حياته بكل سلاسة ويستمتع بها ويقضي وقت ممتع مع أحبته، ويصنع كل يوم شيء جديد مهما واجهته من أمور تؤثر على نفسيته.
هذه رسالة لمن بلغ فوق الاربعين ويخشى تسلل التجاعيد إلى حياته ويبحث عن وصفات تجدد شبابه، عش حياتك، واسترجع روح طفولتك، ودع التشاؤم، وعدم التفكير بالماضي ولا تهدر وقتك في الرثاء، ولا تلفت للآخرين، ولا تقلق نفسك من أجل الغد وعيش يومك، ومارس حياتك الطبيعية، وإشعال جذوة الأمل بداخلك من جديد، فلا يوجد شيء اسمه خريف العمر بل ربيع العمر.
ومضة مضيئة مقتبسة
“لا ينطفئ بريق الروح! إلا إذا انطفأ نور النقاء من قلب صاحبها”