خير الناس.. من جعل الاحترام وقود إنجازه


د: عبد المعتني المزروعي
الموظف يقضي جزءًا كبيرًا من يومه في عمله أكثر مما يقضيه مع أسرته ومجتمعه، ومن هنا يصبح الاحترام والتقدير بين الزملاء ركيزة للاستقرار وضمانًا لبيئة عمل صحية ترفع مستوى الإنتاجية. أما إذا غاب الاحترام، تحولت بيئة العمل إلى ساحة مشحونة بالتوتر وطاردة للإبداع. وقد لخّص النبي ﷺ هذا المبدأ بقوله:” “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا” متفق عليه، وهي قاعدة ذهبية تصلح أن تكون نظامًا تنظيميًا قبل أن تكون قيمة أخلاقي.
عندما يتعامل زملاء العمل ضمن أطار التقدير والاحترام يشعر الموظف بأن صوته مسموع وجهده مقدّر، ينعكس ذلك مباشرة على عطائه وتفاعله الإيجابي مع الفريق. الموظف المُحتَرَم يميل إلى بذل جهد إضافي، ويظهر إبداعه في تقديم حلول جديدة، بينما الموظف المُهمَل يتراجع عطاؤه تدريجيًا حتى وإن كان حاضرًا جسديًا. ومن منظور علم النفس التنظيمي، فالاحترام يُعدّ من المحفزات الجوهرية غير المادية التي ترفع الرضا الوظيفي وتُحسّن الأداء المؤسسي ويحرّك عجلة الإنتاج ويجعل الفريق يعمل بروح واحدة.
لكن واقع العمل اليومي لا يخلو من أنماط مختلفة من الشخصيات، من أبرزها الشخصية النرجسية. هذا النوع يعتقد أنه أعلم من الجميع، ويعتبر نفسه المرجع الأول والأخير، في أي نقاش تجده يفرض رأيه في الاجتماعات، يميل إلى التقليل من جهود الآخرين أو تجاهلها، ويحرص أن يكون نجم المشهد حتى لو على حساب الفريق، يحب يحتكر المعرفة والمعلومات المهمة لتأكيد تفوقه. يتأثر بسرعة بأي نقد، حتى لو كان بسيطًا أو بنّاءً. هذه الشخصية إذا تُرك بلا تعامل مهني وحزم، قد يتسبب في شلّ حركة الفريق وإحباط الآخرين، بل ربما يقود إلى انهيار كامل في بيئة العمل بسبب تفكك العلاقات وفقدان روح التعاون.
أن التعامل مع الشخصية النرجسية يتطلب إدارة تمتع بقدر عالي من الحكمة والذكاء العاطفي، وهنا بعض الممارسات العملية:
إعطاؤه التقدير المناسب لإنجازاته، لكن بدون تملق أو مبالغة.
وضع حدود واضحة في الصلاحيات، بحيث يعرف أن تجاوزها غير مقبول.
توجيه الحوار دائمًا نحو الهدف الجماعي لا الشخصي، حتى لا ينحصر النقاش في ذاته.
تفعيل أنظمة وسياسات العمل الرسمية عند الحاجة، حتى لا يتحول الخلاف إلى صراع شخصي.
منع احتكار المعلومات أو الملفات لتعزيز شعوره بأن الإنجاز جماعي ولا يتوقف على فرد واحد.
تطبيق بعضا من هذه الممارسات بالإمكان احتواء هذه الشخصية النرجسية بدل أن يتحكم هو في المشهد. ولو تم تجاهل هذا التعامل، فستتحول بيئة العمل إلى ساحة صراع، وسيكون الخاسر الأكبر هي المؤسسة نفسها. الاحترام والتقدير بين الزملاء هو أساس بيئة عمل صحية ومنتجة رغم اختلاف الشخصيات. التعامل مع الأنماط الصعبة كالنرجسية لا يكون بالإقصاء بل بالإدارة الحكيمة لتحويل التباين إلى طاقة بنّاءة. الاحترام هو وقود الإنجاز الذي يدفع المؤسسة للأمام، وقد لخّص النبي ﷺ هذا المبدأ بقوله:” خير الناس أنفعهم للناس”، ليكون منهج عمل قبل أن يكون وصية.