مقالات

الذنوب والمعاصي

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري 

حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري 

بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمدلله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :

معشر القراء : لا شك أنَّ الله أمرنا بطاعته ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ونهانا عن معصية الله ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ قال الله تعالى : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) ( النساء : ١٣ – ١٤ )وقال صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى ، قالوا : يا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَن يَأْبَى؟ قالَ : مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أَبَى ) رواه البخاري في صحيحه ؛ إلى غير ذلك من النصوص الشرعية الكثيرة الآمرة بطاعة الله ورسوله ؛ والناهية عن معصية الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه .

معشر القراء : للذنوب والمعاصي آثار سيئة ؛ وعواقب مقيتة ، منها : أنَّ في معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ الشقاء ، والحياة الضنكة في الدنيا والآخرة ؛ قال الله تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وكذلك الْيَوْمَ تُنسَىٰ * وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ ) ( طه : ١٢٤ – ١٢٧ ) ومنها : أنَّ في معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؛ الخوف الدائم ، والضلال المبين في الدنيا ويوم الدين ؛ قال الله تعالى : ( مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) ( الأعراف : ١٧٨ ) وقال تعالى : ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ( يونس ٦٢ – ٦٤ ) ومنها : أنَّ في معصية الله ورسوله خزي الدنيا ، وعذاب الآخرة ؛ قال الله تعالى : ( وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) ( الجن : ٣٢ ) وقال تعالى : ( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ۖ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ) ( الملك : ٦ – ١١ ) ومنها : أنَّه بسبب معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تحصل الكروب ؛ وينتشر الفقر ، وتتعسر الأمور ؛ وصدق الله تعالى إذ يقول : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( الأعراف : ٩٦ ) وقال تعالى : ( وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبْنَٰهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَٰهَا عَذَابًا نُّكْرًا ) ( الطلاق : ٨ ) .

والخلاصة أنَّ للمعاصي آثاراً سيئةً على الفرد من ظلمة القلب ، وعدم انشراحه ، وابتلاء العاصي بالمصائب ، والمشاكل ، وقلة التوفيق .

وللذنوب آثاراً سيئة على المجتمع من كثرة الأمراض والأوبئة ، واختلال الأمن ، وظهور الخوف ، وفقد الطمأنينة ، وقلة الأمطار أو كثرتها كثرةً مؤذية ، وظهور الزلازل ، والبراكين ، والحروب المدمرة ؛ قال الله تعالى : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) ( الروم : ٤١ ) .

فلا يغتر المسلم بظهور بعض النعم عند الكافرين ، فإنَّ ذلك إمَّا استدراجٌ من الله لهم أو لأنَّ الله تعالى عجَّل لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري برقم( ٢٤٦٨ ) ومسلم برقم ( ١٤٧٤ ) .

معشر القراء : إنَّ الذنوب أنواعٌ كثيرةٌ بعضها أعظم من بعض ؛ فمن أعظمها الكفر الأكبر ، والشرك الأكبر ، ومنها البدع والمحدثات ، وبعضها أشدُّ حرمةً من بعض ؛ ومنها الكبائر كالزنا ، والسرقة ، وقتل النفس ، وشرب الخمر ؛ ومنها صغائر الذنوب التي لا يسلم منها أحد إلا ما شاء الله ؛ وصدق الله تعالى إذ يقول : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا ) ( النساء : ٤٨ ) وقال تعالى : ( الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) ( النجم : ٣٢ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ ) رواه مسلمٌ في صحيحه .

معشر القراء : يجب التوبة من الذنوب جميعاً صغيرها وكبيرها ؛ قال الله تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( التوبة : ٣١ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إلى اللهِ ، فإنِّي أَتُوبُ في اليَومِ إلَيْهِ مِئَةَ مَرَّةٍ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا ) رواه مسلمٌ في صحيحه ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ اللهَ يقبلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغرغرْ ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٣٥٣٧ وقال ابن عمر رضي الله عنهما : ” التوبة مبسوطة ما لم ينزل ملك الموت ” وقال ابن المعتز رحمه الله :

 

خَلِّ الذُنوبَ صَغيرَها

وَكَبيرَها فَهوَ التُقى

 

واصنع كماشٍ فَوقَ أَر

ضِ الشَوكِ يَحذُرُ ما يَرى

 

لا تَحقِرَنَّ صَغيرَةً

إِنَّ الجِبالَ مِنَ الحَصى

 

ويقول الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله :

وبادر بالتوبة النصوح

قبل احتضارٍ وانتزاع الروح

 

لاتحتقر شيئاً من المآثم

وإنَّما الأعمال بالخواتم

 

نسأل الله أن يتوب علينا جميعاً ، ويغفر لنا ويرحمنا إنَّه هو التواب الرحيم ؛ وأن يقينا وإياكم عذاب القبر والجحيم . اللهم آمين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى