هدايا الرحمن ونكران الإنسان


بقلم: م حاتم باناصر
في زحمة الحياة، يعتاد الإنسان على ما حوله من نِعم، حتى تغدو في نظره شيئًا عاديًا لا يستحق التأمل. يستيقظ كل صباح وهو يتنفس هواءً نقيًا، يتمتع بصحة في بدنه، وأمان في بيته، ورزق يأتيه، وأحباب يحيطون به لكنه نادرًا ما يتوقف ليتساءل: من أين جاءت هذه الهدايا؟
القرآن الكريم يضعنا أمام حقيقة لا جدال فيها: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ ومع ذلك، ينسى كثير من الناس أن هذه النعم ليست حقًا مكتسبًا، بل هي هبة من الرحمن، يمنّ بها على من يشاء، ويستردها متى شاء.
الأخطر من ذلك هو الشعور بما يمكن أن نسميه “الاستحقاق الوهمي” حين يرى الإنسان ما بين يديه من خيرات وصحة ونجاح وكأنه حصيلة جهده وحده، ناسياً أن الله هو المسبب لكل سبب، وهو القائل: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ﴾
ولعل أعظم دروس الحياة تأتي حين تُسلب النعمة. عندها فقط يشعر المرء بمدى قيمتها، ويذوق مرارة فقدها، كما جاء في حديث النبي ﷺ: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ .
لكن الله عز وجل، برحمته، يفتح باب الزيادة للشاكرين: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [إبراهيم: 7]. والشكر هنا ليس مجرد كلمة تُقال، بل هو منهج حياة، يبدأ باعتراف القلب بالفضل، وينعكس على اللسان بذكر الله، ويترجم على الجوارح باستخدام النعم فيما يرضيه.
إن علاج النكران يكمن في التأمل الواعي، والمقارنة بمن حُرموا بعض ما نملك، وترديد الحمد لله في السراء والضراء، واستثمار كل هدية ربانية في الخير. فقد قال النبي صلى الله عليه وسام لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه.
النعم هدايا، والنكران خسارة، والشكر طريق الزيادة. وبين هذه الثلاث، يختار الإنسان موقعه: إما أن يكون عبدًا شاكرًا يزداد خيره، أو غافلاً لا يرى النعمة إلا إذا فقدها