المزاح وآدابه


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
معشر القراء : اعتاد الناس في قديم الدهر وحديثه أن يخلطوا حياتهم بشيءٍ من الدعابة والمزاح ؛ الذي يضفي عليها شيئاً من اللطف والأنس ؛ وهذا جارٍ مع الأصحاب والأقران خاصة ؛ ومع الأهل وغيرهم عامة ؛ وللمزاح المباح في الشريعة الإسلامية آدابٌ وضوابطٌ ؛ ينبغي معرفتها ، والتحلي بها ؛ وهي على النحو التالي :
١– استحضار النية الصالحة في المزاح ؛ كنية التعليم ، وإدخال السرور على نفوس الآخرين من الأهل وغيرهم ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّةِ ) وفي رواية : ( بالنِّيَاتِ ، وإنَّما لِكُلِّ امرئٍ ما نوَى ) رواه البخاري ومسلم .
٢- التزام الصدق في المزاح ؛ وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( قالوا يا رسولَ اللَّهِ : إنَّكَ تداعِبُنا ؟ قالَ : إنِّي لا أقولُ إلَّا حقًّا ) أي صدقاً . رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني برقم ١٩٩٠ .
معشر القراء : ما أكثر المزاح المبني على الكذب في هذه العصور المتأخرة ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ويلٌ للذي يحدِّثُ بالحديثِ ليُضحكَ به القومَ فيكذبُ ويلٌ له ويلٌ له ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٢٣١٥ وقال صلى الله عليه وسلم : ( أنا زعيمٌ ببيتٍ في رَبَضِ الجنَّةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّا ، وببيتِ في وسطِ الجنَّةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحًا ، وببيتٍ في أعلى الجنَّةِ لمَن حَسُنَ خُلُقُه ) رواه أبو داود في سننه ؛ وحسن الحديث الألباني في صحيح أبي داود برقم ٤٨٠٠ .
ومن صور مزاح النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ؛ والذي تضمن الحق الذي لا كذب فيه ؛ ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( ربَّمَا قال لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : يا ذا الأُذُنَيْنِ ؛ قال أبو أُسامَةَ : يعني يُمازِحُه ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٣٨٢٨ وأيضاً ما ورد عنه رضي الله عنه : ( أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال : يا رسولَ اللهِ : احمِلْني ؛ قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : إنا حاملوكَ على ولدِ ناقةٍ . قال : وما أصنع بولدِ الناقةِ ؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : وهل تلدُ الإبلَ إلا النوقُ؟ ) رواه أبو داود في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم ٤٩٩٨ .
٣- من الضوابط الشرعية في المزاح : احترام الآخرين حال المزاح ، وتقديرهم ، وإنزال الناس منازلهم ؛ ومعرفة نفسية المقابل ؛ فليس كلُّ الناس يتقبَّل المزاح ؛ وقد قيل : ” لا تمازح صغيراً ؛ فيجترئ عليك ، ولا كبيراً فيحقِد عليك ” .
٤- يجتنب الإنسان الإكثار من المزاح ؛ حتى لا تذهب معه الأوقات سدىً ؛ ولئلا تضيع معه مهابة المازح؛ ولا تموت بسببه القلوب غفلةً وضعفاً .
٥- الحذر من مزاح الرجل مع المرأة الأجنبية ؛ أو مزاح المرأة مع الرجل الأجنبي ؛ فإنَّ ذلك سببٌ لوقوع الفتنة بينهما ؛ عياذاً بالله .
٦- الحذر من أذية الآخرين ؛ والإساءة إليهم ؛ أو أخذ شيئ من حقوقهم ، أو ترويعهم بالضرب الذي يتجاوز به حد من المزاح المحمود ؛ أو الاستهزاء بما فيه ضررٌ كسلاحٍ وحجارةٍ ، وغيرها من الصور بحجة المزاح ، وإدخال السرور على الآخرين زعموا ؛ وهذا العمل يورث الأحقاد والضغائن ؛ ويؤدي إلى النزاع والخصام ؛ وينقلب به الهزل إلى الجد ؛ والوِدُّ إلى الحقد ؛ والمحبة إلى الكراهية ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا يأْخذَنَّ أحدُكم متاعَ أخيهِ لاعبًا ولا جادًّا ، ومن أخذ عصا أخيهِ فلْيرُدَّها ) رواه أبو داود في سننه ؛ وحسنه الألباني في صحيح أبي داود برقم ٥٠٠٣ .
٧- الحذر كلَّ الحذر من المزاح في الأمور الشرعية ؛ كالسخرية بالله أو بملائكته أو بكتبه أو برسله أو باليوم الآخر أو بالقدر خيره وشرّه ؛ أو بغيرها من الأحكام الشرعية ؛ والآداب المرعية ؛ وقد قال الله تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) ( التوبة : ٦٥ ) .
معشر القراء : هذه بعض الضوابط والآداب أوردتها بشيءٍ من الإيجاز والاختصار ؛ ليكون مزاحنا مع الآخرين محموداً ومثمراً ؛ والله نسأل أن يغفر لنا جدَّنا وهزْلنا ؛ وخطأنا وعَمْدنا ، وكلُّ ذلكَ عندنا ؛ وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلِّها ؛ وأن يجيرنا من خزي الدنيا ، وعذاب الآخرة . اللهم آمين .