مقالات

الفرقة الناجية

حسن بن محمد بن منصور مخزم الدغريري 

حسن بن محمد بن منصور مخزم الدغريري 

بسم الله الرحمن الرحيم

 معشر القراء : لقد أخبرنا الله في كتابه ؛ وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأنَّ الأمة الإسلامية ستبتعد عن التمسك بكتاب ربها ، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ؛ وما كان عليه سلفها الصالحون عقيدةً ، وشريعةً ، وأخلاقاً ، وسلوكاً ؛ بسبب شياطين الإنس والجن ؛ الذين قال الله فيهم : ( أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ * وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ) ( يس : ٦٠ – ٦٢ ) وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي : ( إنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، وإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ ؛ فَاجْتَالَتْهُمْ عن دِينِهِمْ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ؛ وبسبب هذه المكائد الشيطانية حصل التفرق والاختلاف في الأمة الإسلامية ؛ فتعددت أفكارهم ؛ ومعتقداتهم ؛ وشرائعهم ؛ وأخلاقهم ؛ قال الله تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ( هود : ١١٨ – ١١٩ ) وأنَّه لا يتم نجاتنا من هذا الاختلاف ؛ وهذا التفرق إلا بالعودة الصادقة للكتاب والسنة بمنهج سلف الأمة ، والذي قال الله فيه : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ( آل عمران : ١٠٣ ) وقال تعالى : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) ( النساء : ١١٥ ) وقال تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( الأنعام : ١٥٣ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ليأتينَّ على أمَّتي ما أتى على بني إسرائيل حَذوَ النَّعلِ بالنَّعلِ ، حتَّى إن كانَ مِنهم من أتى أُمَّهُ علانيَةً لَكانَ في أمَّتي من يصنعُ ذلِكَ ، وإنَّ بَني إسرائيل تفرَّقت على ثِنتينِ وسبعينَ ملَّةً ، وتفترقُ أمَّتي على ثلاثٍ وسبعينَ ملَّةً ، كلُّهم في النَّارِ إلَّا ملَّةً واحِدةً ، قالوا : مَن هيَ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قالَ : ما أَنا علَيهِ وأَصحابي ) رواه الترمذي في سننه ؛ وحسن الحديث الألباني في صحيح الترمذي برقم ٢٦٤١ وفي رواية : ( ألا إنَّ مَن قبلَكم من أهلِ الكتابِ افتَرقوا على ثِنتين وسبعين مِلَّةً ، وإنَّ هذهِ المِلَّةَ ستَفترِقُ على ثلاثٍ وسبعين : ثِنتانِ وسبعونَ في النَّارِ ، وواحدةٌ في الجنَّةِ ، وهيَ الجماعةُ ) رواه أبو داود في سننه ؛ وحسن الحديث الألباني في صحيح أبي داود برقم ٤٥٩٧ وقال صلى الله عليه وسلم في الفرقة الناجية من أهل الإسلام : ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في شرح حديث الافتراق ( ١ / ٣١ ) : ” هذا الحديث فيه تقريرٌ لكون الأمة سيدخلها افتراقٌ واختلافٌ في مسائل أصول الدين ، ولهذا وصف عليه الصلاة والسلام هذه الطائفة بأنها الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة ، وأنهم على أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ” وقال صلى الله عليه وسلم : ( بدأ الإسلامُ غريبًا ، وسيعودُ غريبًا كما بدأ فطُوبِى للغرباءِ ) رواه مسلم في صحيحه ، وفي روايةٍ : ( قيل يا رسولَ اللهِ : مَن الغرباءُ؟ قال : الذين يَصلحون إذا فسد الناسُ ) رواه أبو عمرو الداني في سننه ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم ( ٣ / ٢٦٧ ) وفي لفظٍ آخر : ( قوم صالحون قليل في ناسٍ سوءٍ كثير، مَنْ يَعصيهِمْ أكثَرُ مِمَّن يُطيعهم ) رواه أحمد في مسنده ، وصححه الألباني في الصحيحة برقم ( ٤ / ١٥٣ ) .

معشر القراء : هل بعد هذه النصوص الشرعية من نصوص ؛ وهل بعد هذه الأدلة من أدلة ، والتي تحثنا فيه على أن نكون من الفرقة الناجية التي تنجو باذن الله من خزي الدنيا ، وعذاب الآخرة ، والتي تسعد في دنياها وآخرتها ، والتي تعيش حياةً طيبةً مباركةً في الدارين بعملها بكتاب الله ، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم بفهم سلفها الصالحين ؛ جعلنا الله وإياكم منهم ، ونجانا من الفرق الضالة ، والمذاهب المنحرفة عن سواء السبيل ؛ والتي تقود أهلها سوء المصير في الدنيا ويوم الدين ؛ اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنَّك أنت الوهاب . اللهم آمين .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى