يوم عاشوراء


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
بسم الله الرحمن الرحيم
يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ؛ الذي شرع الله صيامه على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ، ورتب على صيامه الثواب .
وقد كان صيام يوم عاشوراء هو الواجب صيامه ؛ ثم نسخ الحكم من الأخف إلى الأثقل بصيام رمضان ؛ لحكمةٍ أرادها الرحمن ؛ قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه( فتح الباري ٤ / ٢٤٧ ) : ” لما فُرض رمضان تُرك عاشوراء ” أي تُرك وجوبه ؛ أمَّا استحبابه فباقٍ صيامه إلى أن يرث الأرض ومن عليها ؛ وهو خير الوارثين .
وسبب مشروعية صيام هذا اليوم أنَّه لما : ( قَدِمَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ ، فَوَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ يَومَ عَاشُورَاءَ ، فَسُئِلُوا عن ذلكَ ؟ فَقالوا : هذا اليَوْمُ الذي أَظْهَرَ اللَّهُ فيه مُوسَى ، وَبَنِي إسْرَائِيلَ علَى فِرْعَوْنَ ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا له ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ : نَحْنُ أَوْلَى بمُوسَى مِنكُم ، فأمَرَ بصَوْمِهِ ) رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لهما : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا يَومَ عَاشُورَاءَ ، فَقالَ لهمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ : ما هذا اليَوْمُ الذي تَصُومُونَهُ ؟ فَقالوا : هذا يَوْمٌ عَظِيمٌ ، أَنْجَى اللَّهُ فيه مُوسَى وَقَوْمَهُ ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا ) أي لله ( فَنَحْنُ نَصُومُهُ ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ : فَنَحْنُ أَحَقُّ ، وَأَوْلَى بمُوسَى مِنكُم ؛ فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ، وَأَمَرَ بصِيَامِهِ ) وفي الحديث الآخر : ( كانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ في الجَاهِلِيَّةِ ، وكانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصُومُهُ ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كانَ رَمَضَانُ الفَرِيضَةَ ، وتُرِكَ عَاشُورَاءُ ، فَكانَ مَن شَاءَ صَامَهُ ، ومَن شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ ) رواه البخاري ومسلم .
معشر القراء : يشرع مع صيام يوم عاشوراء صيام يومٍ قبله أو يومٍ بعده أو بصيامهما جميعاً مخالفةً لليهود والمشركين ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومَنَّ اليومَ التَّاسعَ ) رواه مسلمٌ في صحيحه ؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما : ” فلم يأْتِ العامُ المُقبِلُ حتَّى تُوُفِّيَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ” رواه مسلم .
ويكره إفراد صومِ عاشوراء بالصيام بعد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفة اليهود ؛ فلنلتزم بما أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم قولاً ، وفعلاً ، واعتقاداً ؛ وصدق الله تعالى إذ يقول في هذه المسألة ، وغيرها : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( آل عمران : ٣١ ) .
فالحمدلله الذي هدانا للإسلام ، والقرآن والسنة؛ وأضل عنها أمماً من البشر .
فلنحرص على الإكثار من صيام أيام شهر الله المحرم الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَفْضَلُ الصِّيامِ بَعْدَ رَمَضانَ ؛ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ ) رواه مسلم ؛ ولنحرص كذلك على صيام يوم عاشوراء الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( صِيَامً يومِ عاشُوراءَ إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التِي قِبْلَه ) رواه مسلم في صحيحه ؛ وقد أضلَّ الله عن صيام عاشوراء أهل البدع ؛ الذين استبدلوا صيامه شكراً لله ؛ بجعله يوم حزنٍ ؛ ونياحةٍ ؛ وضربٍ للخدود ؛ وشقٍّ للجلود ؛ بدون دليلٍ منيرٍ من كتابٍ أو سنةٍ أو منهجٍ سلفي قويم ؛ وصدق الله تعالى إذ يقول : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) ( النساء : ١١٥ ) فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق ، والأقوال ، والأعمال ؛ لا يهدي لأحسنها إلاَّ أنت ؛ واصرف عنَّا سيئها لا يصرف عن سيئها إلاَّ أنت ؛ اللهم حبِّب إلينا الإيمان ، وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر ، والفسوق ، والعصيان ، واجعلنا من الراشدين . اللهم آمين .