Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الأدب والشعر

حفلة تنكرية

عبهر نادي -  المدينة المنورة 

عبهر نادي -  المدينة المنورة 

بدت القاعة غارقة بالألوان، ينساب الضوء فيها بين الأقنعة كالظلال الراقصة ، تتمايل الخطى فوق ارضها اللامعة، ولا أحد يعرف من يقف أمامه حقًا.

حفلة تنكرية؟ نعم… لكنها لم تكن حفلاً عابرًا، بل كانت هي الحياة نفسها.

في هذا العالم، يختار بعض الناس أن يظهروا كما يُريدهم الجميع، لا كما هم. يرتدون أقنعة مرصعة بالكلمات، مُخاطة بالمجاملات، ومطرّزة بمقاييس القبول.

ليس لأنهم لا يملكون وجوهًا حقيقية، بل لأن التجربة علّمتهم أن الظهور الكامل قد يُكلفهم الكثير.

في هذه الحفلة وعلى مسرح “الحياة”، لا يمكن حصر كل الأقنعة التي يرتديها البعض،لكنني سأمر هنا على بعضٍ منها على سبيل المثال وليس الحصر .

رأيت من يرتدي منهم قناعاً ليبدو دائمًا واثقًا مرتبًا، لا يُخطئ ولا يتعثر. يحسب كلماته بدقة، يتجنّب الاعتراف بالضعف، ويخشى أن تنكسر صورته في عيون الآخرين.

هو لا يتجمّل غروراً بل حماية .. لكنه في نهاية الأمر يُرهق نفسه بحمل صورةٍ لا تتنفس، ويعيش وحيدًا وسط التصفيق.

هو يرتدي قناعاً لا يشبهه (المثالية) .وهناك من يلبس قناع اللطف المفرط،يضحك أكثر مما يشعر، يعتذر بلا ذنب، ويتجنب الصدام حتى لو كان على حساب ذاته.

يُرضي الكل، ويُهمل صوته الداخلي.. اللطف في ظاهره راقٍ، لكن حين يكون قناعًا، يُنبت الخذلان من حيث لا يدري صاحبه.

ومااجمل الصمت الحقيقي ولكن حين يكون قناعاً يخفي صاحبه خلفه ضجيجًا داخليًا لا يحتمله أحد.

وظاهرياً يبدو هادئًا، ساكنًا، لا يتدخل كثيرًا…

لكن الحقيقة؟ أنه يودّ أن يُصرِّح ..أن يُصرِخ ،أن يُفهم،

لكن شيئًا ما في داخله يمنعه. . فالصمت ليس دائمًا سلامًا… بل أحيانًا قيدٌ لا يُرى.

كثيرٌ ممن يتقنون التنكر لا يفعلونه ليخدعوا، بل ليتفادوا الخذلان.هم ليسوا ممثلين محترفين، بل قلوبٌ تعلّمت أن تتظاهر لتحمي ما تبقى منها.

فكم من مرة واجهوا الحياة بصراحتهم فدفعوا الثمن؟

وكم من مرة بُترت علاقاتهم لأنهم كانوا على طبيعتهم؟

حين تتكرر الخسارات، تصبح الأقنعة دروعًا، لا أقنعة

لكن ما لا يدركه الكثيرون، هو أن كل قناع يُبعدنا خطوة عن أنفسنا.وأننا حين نخفي حقيقتنا بإستمرار ، لا نحميها… بل نُطفئها.

إننا نخسر عمق العلاقات، صدق المشاعر، ومتعة أن نُحب بلا شروط.الوجوه المتقنة لا تُخطئ، لكنها لا تُؤثّر.

والقرب الحقيقي لا يحتاج إلى قناع، بل إلى شجاعة أن نكون كما نحن، حتى وإن خذلنا البعض.

ولعل أول خطوة نحو النقاء، أن نُسامح أنفسنا على ارتداء الأقنعة زمنًا، ثم نخلعها برفق…

ونتقبّل أن الخطأ لا يُنفي جمالنا، وأن الضعف لا يُفسد قيمتنا، وأن في الظهور الحقيقي – رغم كل ما فيه من خوف – راحة لا تُشبه شيئًا. ربما لا نحتاج دائمًا أن نكون جميلين في نظر الجميع،

يكفينا أن نكون صادقين في مرآة من نحب،أن نجد من يربّت على ظهورنا حين نسقط بلا قناع،

ويقول لنا: “هكذا… دون زينة او تصنّع أنت تكفي “

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى