الدعاء سلاح المؤمن


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب الداء والدواء ( ١ / ١١ ) : ” الدعاء من أنفع الأدوية ، وهو عدو البلاء يدافعه ، ويعالجه ؛ ويمنع نزوله ، ويرفعه أو يخففه إذا نزل ؛ وهو سلاح المؤمن ” فالدعاء من أفضل أنواع العبادة ؛ قال الله تعالى : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) ( غافر : ٦٠ ) وقال تعالى : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) ( البقرة : ١٨٦ ) وقال تعالى : ( وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ) ( يونس : ١٠٦ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( الدُّعاءُ هوَ العبادةُ ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٣٢٤٧ وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ ربَّكم حييٌّ كريمٌ ؛ يستحيي من عبدِه أن يرفعَ إليه يدَيْه ؛ فيرُدَّهما صِفرًا أو قال خائبتَيْن ) رواه ابن ماجه في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم ٣١٣١ وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلِمٍ يَدعو ، ليسَ بإثمٍ ، و لابِقطيعةِ رَحِمٍ إلَّا أَعطَاه إِحدَى ثلاثٍ : إمَّا أن يُعَجِّلَ لهُ دَعوَتَهُ ، و إمَّا أن يَدَّخِرَها لهُ في الآخرةِ ، و إمَّا أن يَدْفَعَ عنهُ من السُّوءِ مِثْلَها ؛ قال : – أي الراوي – إذًا نُكثِرَ ، قالَ : اللهُ أَكثَرُ ) أي في إجابة دعاء عبده ؛ رواه البخاري في الأدب المفرد ؛ وصححه الالباني في صحيح الأدب المفرد برقم ٥٤٧ .
فهذه النصوص الشرعية ، وغيرها ؛ تدل على أهمية الدعاء في حياة المسلم ؛ وأنَّه لا غنى له عنه مهما يكن ؛ كيف ، وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) ( فاطر : ١٥ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَن لم يسألِ اللهَ يغضبْ علَيهِ ) رواه الترمذي في سننه ؛ وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم ٣٣٧٣ .
والدعاء في كلِّ وقتٍ نافعٌ ؛ وأنفعه ، وأكمله في أوقات معينةٍ يستجاب فيها الدعاء ؛ قال العلامة ابن باز رحمه الله في مجموع فتاويه ٩ / ٣٥٣ بتصرف : ” أوقات الإجابة عديدة جاء في السنة بيانها منها :
١– ما بين الأذان والإقامة ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ( الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة ) .
٢– منها جوف الليل ، وآخر الليل ؛ فالليل فيه ساعةٌ لا يردُّ فيها سائلٌ ؛ وقد ثبت عنه ﷺ أنه قال : ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر ؛ فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له ؟ حتى ينفجر الفجر ) وينبغي للمؤمن والمؤمنة تحري هذه الأوقات ، والحرص على الدعوة الطيبة الجامعة في وسط الليل ؛ وفي آخر الليل ، وفي أي ساعةٍ من الليل ؛ لكن الثلث الأخير ، وجوف الليل أحرى بالإجابة ؛ مع سؤال الله بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلى ؛ أن يجيب الدعوة ؛ مع الإلحاح ، وتكرار الدعاء ؛ فالإلحاح في ذلك ، وحسن الظن بالله ، وعدم اليأس من أعظم أسباب الإجابة ؛ فعلى المرء أن يلح في الدعاء ، ويحسن الظن بالله ، ويعلم أنَّه حكيمٌ عليمٌ ، قد يُعجِّل الإجابة لحكمةٍ ، وقد يؤخِّرها لحكمةٍ ، وقد يعطي السائل خيراً مما سأل ، مع الحذر من الكسب الحرام ، والحرص على الكسب الطيب ؛ لأنَّ الكسب الخبيث من أسباب حرمان الإجابة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
٣– السجود ؛ ترجى فيه الإجابة ؛ يقول عليه الصلاة والسلام : ( أقرب ما يكون العبد من ربه ؛ وهو ساجد ؛ فأكثروا الدعاء ) ويقول ﷺ : ( أمَّا الركوع ؛ فعظموا فيه الرب ؛ وأمَّا السجود ؛ فاجتهدوا في الدعاء ؛ فقمنٌ أن يستجاب لكم ) أي حريٌّ أن يستجاب لكم ؛ رواه مسلم في صحيحه .
٤– حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر للخطبة إلى أن تقضى الصلاة ؛ فهو محلُّ إجابةٍ .
٥– آخر كلِّ صلاةٍ قبل السلام ؛ يشرع فيه الدعاء ، وهذا الوقت ترجى فيه الإجابة ؛ لأنَّ النبي ﷺ لما علَّمهم – أي الصحابة – التشهد ؛ قال : ( ثمَّ ليختر من الدعاء أعجبه إليه ) .
٦– آخر نهار الجمعة بعد العصر إلى غروب الشمس ؛ هو من أوقات الإجابة في حقِّ من جلس على طهارةٍ ينتظر صلاة المغرب ؛ فينبغي الإكثار من الدعاء بين صلاة العصر إلى غروب الشمس يوم الجمعة ، وأن يكون جالساً ينتظر الصلاة ؛ لأنَّ المنتظر في حكم المصلي ، وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال في يوم الجمعة : ( فيه ساعةٌ لا يسأل الله أحدٌ فيها شيئاً ؛ وهو قائمٌ يصلي إلاَّ أعطاه الله إياه ) وأشار إلى أنها ساعةٌ قليلة ؛ فقوله ﷺ : ( لا يسأل الله فيها شيئاً ، وهو قائمٌ يصلي ) قال العلماء : يعني ينتظر الصلاة ؛ فإنَّ المنتظر له حكم المصلي ؛ لأنَّ وقت العصر ليس وقت صلاة . فالحاصل أنَّ المنتظر لصلاة المغرب في حكم المصلي ؛ فينبغي أن يكثر من الدعاء قبل غروب الشمس إن كان في المسجد ؛ وإن كان إمرأةً أو مريضاً في البيت ؛ شرع له أن يفعل ذلك ؛ وذلك بأن يتطهر ، وينتظر صلاة المغرب ؛ هذه الأوقات كلُّها أوقات إجابةٍ ينبغي فيها تحري الدعاء ، والإكثار منه ؛ مع الإخلاص لله ؛ والضراعة ، والانكسار بين يدي الله ، والافتقار بين يديه سبحانه وتعالى ، والإكثار من الثناء عليه ، وأن يبدأ الدعاء بحمد الله ، والصلاة على النبي ﷺ فإن البداءة بالحمد لله ، والثناء عليه والصلاة على النبي ﷺ من أسباب الاستجابة ؛ كما صح بذلك الحديث عن رسول الله ” انتهى . نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره ؛ وشكره ، ودعائه ؛ وحسن عبادته ؛ وأن يتقبلها منَّا ؛ إنَّه هو السميع العليم ؛ وأن يتوب علينا ؛ إنِّه هو التواب الرحيم . اللهم آمين .