Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

بما أنه أتى

شريفة راشد القطيطي

شريفة راشد القطيطي

كان كل شيء يبكي على الطاولة، لقد تركتُ أفكاري مبعثرة، وذهبتُ لأحضر مكتبتي المتنقلة لأسقي عقلي بعض الهدوء، وفجأة! تحركات، وخوف، وقصاصات ورق تتطاير، ومخيلتي تعبق بك، ولن يتكر هذا المشهد إلا في حلمي، مخدّة جافة، وقروح، ولعبتي مبعثرة ونبضها محطم، وصوت في الجدران يبكي ويختفي، من يكون هذا وهو قد تركته يحتضر؟ وتخيلت نفسي أحضر سكيناً وأقضي على ما تبقّى له من أمتعة، وألطّخ مزاجه بالدوران حوله كالبلهاء، وأعدّ له الخِراف حتى يثمل ويستسلم للنوم.

كان الوهم غريب الطباع، وكان يأخذ أفكاري يلعب بها حتى المساء، ثم ينام متعباً كأقفالٍ معلّقة على أبواب قلعة مهجورة، يتقاسم حلمي كرغيف يأكله الجياع، وكمطر تحتفل به قِفار منسيّة، فيتخلى عن مزاجه وينام دون حُلم أو رؤيا معطلة، وكان يأتي كحبر معتّق يشمّ رائحة البلاغة، ويتركها لتلد أفكاره بقيصرية مخيفة، بالكاد يسمع صوت أنفاسها، وكان المولود أبكم لم يصدر أي صوت.

تسقط على زجاج النافذة أجنحة من خطر، ومطر يضحك على القادمين، وليلٌ أسود بغيم موحش يتسابق مع خدر حزين، وأقنعة ذات مكر تهيأت وألحدت خطّ الجبين، ونامت الأعين دون بلبلة، تركتك وقليل من التوحد أصابك، وتبلدت خصلات أغصانك، ثم تهيأت كعطر شاميّ ممزوج بالتهاني المخملية، أخبرتك أن كانون الأخير لا يملأ الكفّ، هو صغير بحجم القمر حين تراه من النافذة، ويخضر ويلتهب ويشعّ، وعلى ساقيه تنبت الشهور وتورق الأيام.

كان كهلاً يعضّ على السنين بما تبقّى له من أنياب. وجمهرة كلاب تشعر بالعار لأنها خائفة من صرار الليل. وكأيّ هدوء كان يتعارك مع أنفاسه ويخنقها ويتعثر بخطواته، ويتذكر أنه أتى من أجل الاعتذار، قُبحت من أنفاس.

جلست القريفصاء، ونظرت يمنة ويسرة وتنهدت ببطء، عاودت للوقوف وخطفت مليون نظرة من الشمس، وألصقتها في إبهام قدمها اليمنى، ثم عصفت بها في أقرب ممشى توجه نظرها له، كانت مسافة الأمان بيننا وكنت أرفضها، كنت أُقرضك مساحة كافية كي تسرقني إلى حيث الظلّ، فأمرتُ الظلّ أن يُخفي ملامح ولَهي واشتياقي، وأجبرتُ قلبي أن يُعطل مساره إليك.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى