عاد معتذرًا


د. فتيحة بن كتيلة
طرق الباب
صباح الخير…..
من معي؟
قهقه بكل ثقة
…أنا……أنا
أعرف أنك أنت، لكن من أنت؟
مستغربًا:
أنا.. أنسيتي…….
آه.. نعم، وكيف أنسى… أنسيت أنك أجبرتني أن أرحل، وكانت أمنيتي الوحيدة أنت….
لكن… اعتذر… ما كنت… أنا… الوقت.. الظروف…. أووف، لننسى ونبدأ من جديد.
نعم، نسيت… وهذه هي نتيجة النسيان.. ما عرفتك.
لا، قصدي.. انسى مشاعر الألم والأسى.
تنهدت عميقًا وبطريقة لم تكن معتادةً لديه… وبصوت واقفٍ واضحٍ دون تحشرج، دون دموع، دون توسل… قالت:
“ويبقى داخل الروح شيء لا يترجمه حبرٌ ولا اعتذار،
ولا يستوعبه ورقٌ… ولا يصلحه انتظار.
بعض الشعور لا بوح يكفيه، ولا حرف يحكيه، ولا آهات تداويه.
خُلق ليسكن داخلنا دون أن نخبر به أحدًا… خُلق ليأكل أحلامنا ويطمس بزوغ فجرنا…
شعورٌ تركني ألملم خيبتي وما كسر من خاطري، وأقول له: اذهب، لا حاجة لي بقلبٍ هان عليه فراقي، وعينين هان لهما ما جرى من دموعي……
اذهب يا مقلة العين، اذهب يا لُبَّ فؤادي،
فأنا فقدت قلبي وعيني، وغابت روحي عني…
لا تلمس تعبي… لا تواسي ألمي،
ما عادت يداك تؤتمن.”… ولا قلبك سكنٌ.
قال لها: صِرْتِ قاسية.
قالت له: تعلمت فنون القسوة منك.
حملت حقيبتها وخرجت ولم تلتفت.
وتوارت عن الأنظار.. بقي طيفها وعطرها بقايا ذكرى يرتشف مراراتها.