حقوق ولي الأمر


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
لاتأمن البلاد ، ولا يطمئن العباد ، ولا تستقر أوضاعهم الدينية والدنيوية إلا بولي الأمر سواء كان ملكاً أو أميراً أو رئيساً للدولة أو بغيرها من المسميات :
لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم
وَلا سَراةَ إِذا جُهّالُهُم سادوا
ولهذا عنيت الشريعة الاسلامية بهذا الجانب غاية العناية ؛ وجعلت لولي الأمر في كل بلد من الحقوق العظيمة التي يجب الالتزام بها له ديانةً لله ، وامتثالاً لشرعه الحنيف ؛ حتى يسود الأمن بين العباد ؛ وحتى تستقر أحوالهم في جميع البلاد ؛ وليحصل بوجود ولي الأمر فيها الاجتماع بعد الفرقة والاختلاف ؛ والائتلاف بين الراعي والرعية ؛ والرعية بعضهم مع بعض ؛ ومن جملة الحقوق التي يجب التزامها لولاة الامور ما يلي :
١- الاعتراف بولايتهم وبيعتهم عليها بعد أن ولاه الله عليهم إما بالرضا أو الغلبة ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( من بايع إمامًا ، فأعطاه صفقةَ يدِه ، وثمرةَ قلبِه ، فليُطِعْه ما استطاع ، فإن جاء آخرُ ينازِعُه فاضربوا رقبةَ الآخرِ) رواه مسلم في صحيحه ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَن خَلَعَ يَداً مِن طَاعَةٍ ؛ لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيَامَةِ لا حُجَّةَ له ؛ وَمَن مَاتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ؛ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ) رواه مسلم في صحيحه .
٢- السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف ، وفيما يستطيعه العباد ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( السَّمْعُ والطَّاعَةُ علَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيما أحَبَّ وكَرِهَ ما لَمْ يُؤْمَرْ بمَعْصِيَةٍ ؛ فإذا أُمِرَ بمَعْصِيَةٍ فلا سَمْعَ ولا طاعَةَ ) رواه البخاري ومسلم ؛ ويقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : ( كنَّا نبايعُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم على السَّمعِ والطَّاعةِ يقولُ لنا فيما استَطعتُم ) رواه البخاري ومسلم .
٣– عدم الخروج على ولاة الأمور لا بالقول ولا بالفعل ؛ لما يترتب على ذلك من ضياع الأمن ؛ وسفك الدماء ؛ وإتلاف الأموال ؛ وقلة الأرزاق ، ونشر الفوضي في البلاد وبين العباد ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ ، وفارَقَ الجَماعَةَ ؛ فَماتَ ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً ، ومَن قاتَلَ تَحْتَ رايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ ، أوْ يَدْعُو إلى عَصَبَةٍ ، أوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً ؛ فَقُتِلَ فقِتْلَةٌ جاهِلِيَّةٌ ، ومَن خَرَجَ علَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّها وفاجِرَها ، ولا يَتَحاشَى مِن مُؤْمِنِها ، ولا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ ؛ فليسَ مِنِّي ، ولَسْتُ منه ) رواه مسلم في صحيحه ؛ وفي الحديث : ( أَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ ؛ مُشْرِفُ الوَجْنَتَنِ ؛ نَاتِئُ الجَبِينِ ؛ كَثُّ اللِّحْيَةِ ؛ مَحْلُوقٌ ؛ فَقالَ : اتَّقِ اللَّهَ يا مُحَمَّدُ ؛ فَقالَ : مَن يُطِعِ اللَّهَ إذَا عَصَيْتُ ؛ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ علَى أَهْلِ الأرْضِ فلا تَأْمَنُونِي ! فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ – أَحْسِبُهُ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ – فَمَنَعَهُ ؛ فَلَمَّا ولَّى قالَ : إنَّ مِن ضِئْضِئِ هذا – أَوْ : في عَقِبِ هذا – قَوْمًا يَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ؛ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ؛ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإسْلَامِ ، ويَدَعُونَ أَهْلَ الأوْثَانِ ؛ لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ ) رواه مسلم في صحيحه .
٤- النصيحة لولاة الأمور فيما جانبوا فيه الصواب بحكمةٍ ، ولينٍ ، وبالطرق المشروعة ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( الدِّينُ النَّصيحةُ ؛ قُلْنا : لمَن ؟ قال : للهِ ، ولكتابِه ، ولرسولِه ، ولأئمَّةِ المُسلِمينَ ، وعامَّتِهم ) رواه مسلم في صحيحه ؛ وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَن أرادَ أن ينصحَ لذي سلطانٍ في أمرٍ فلا يُبدِهِ عَلانيةً ، ولَكِن ليأخذْ بيدِهِ فيَخلوَ بهِ , فإن قبِلَ منهُ فذاكَ , وإلَّا كانَ قد أدَّى الَّذي علَيهِ ) رواه أحمد في مسنده .
٥-الدعاء لولاة الأمور بكل ما هو خيرٌ وصلاحٌ في الدنيا والآخرة ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( خِيارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ ويُحِبُّونَكُمْ ، وتُصَلُّونَ عليهم ويُصَلُّونَ علَيْكُم ، وشِرارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ ويُبْغِضُونَكُمْ ؛ وتَلْعَنُونَهُمْ ويَلْعَنُونَكُمْ ؛ قالوا : قُلْنا : يا رَسولَ اللهِ أفَلا نُنابِذُهُمْ عِنْدَ ذلكَ؟ قالَ : لا ؛ ما أقامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ ، لا ما أقامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ ، ألا مَن ولِيَ عليه والٍ ، فَرَآهُ يَأْتي شيئًا مِن مَعْصِيَةِ اللهِ ، فَلْيَكْرَهْ ما يَأْتي مِن مَعْصِيَةِ اللهِ ، ولا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِن طاعَةٍ ) رواه مسلمُ في صحيحه .
فهذه جملة من الحقوق لولاة الأمور أوردت بعضها ؛ دلالة على غيرها ؛ والله نسأل أن يحفظ لنا ولي أمرنا خادم الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ؛ وولي عهده الأمين ؛ لما فيه صلاح العباد والبلاد ؛ وأن يهيأ لهما البطانة الصالحة الناصحة ؛ وأن يجزيهم عنا خير الجزاء ؛ ويكفينا واياهم كلَّ شرٍّ ومكروه ؛ وسائر ولاة أمور المسلمين في كل مكان يا رب العالمين ؛ اللهم أدم علينا نعمك الظاهرة والباطنة ، وأوزعنا شكرها وذكرها . اللهم آمين .