مذكرات الولد الشقي..المسرح


فايل المطاعنى
في زوايا الذاكرة، تختبئ لحظات صنعت منا ما نحن عليه، لحظات بريئة، مشاغبة، ومرحة، تشبهنا ونحن صغار…
“الولد الشقي” ليس مجرد لقب، بل حالة وجدانية مليئة بالحبّ، والدعابة، والدهشة الأولى من الحياة.
تبقى الذكريات من أجمل أقدارنا، رغم صعوبة الأمس، تبقى لها طعمٌ خاص حين نسترجعها اليوم… والآن، دعوني أروي لكم واحدة من حكاياتي مع الزمن الجميل.
منذ صغري وأنا “عفريت مسرح”!
أعشق المسرح، وأذكر أن جيلي كله ارتبط به عشقًا، فقد كان المسرح – في تلك الأيام – هو سيد الفنون بلا منازع، وكان بالفعل أبو الفنون.
كنت مأخوذًا برواد المسرح العربي الكبار: علي الكسار، نجيب الريحاني، يوسف وهبي، جورج أبيض، والمدبوليزم العريق.
كانوا أساطير في عيوني، وكنت أتابعهم كمن يراقب السحر على خشبة تتنفس الفن.
أتحدث هنا عن أواخر الثمانينات، حين كانت خشبة المسرح هي حلم كل طفل لديه “شقاوة فنية”، وكان كبار النجوم يمرّون من بوابته قبل أن تضيء أسماؤهم في السينما والتلفزيون.
وكان النجم الكبير فؤاد المهندس – عمو فؤاد – نجم الشباك الأول بلا منازع.
أما عن تجربتي، فكانت أول تجربة مسرحية لي في الصف السادس الابتدائي، خلال دراستي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
كان أستاذ الفنون – أيام ما كان فيه أستاذ للفنون فعلًا! – معجبًا بموهبتي في تقليد اللهجة المصرية بطلاقة. وذات يوم، ناداني قائلًا بحماس:
“عندك موهبة تمثيل رائعة، لو استمريت هتكون أحمد زكي الخليج!”
يا سلام!
هل تتخيلون وقع هذا الكلام على طفل يحب التمثيل؟
طرت من الفرح، وبدأت أحلم: شهرة، أضواء، مال، وحسناوات يصطففن من أجل توقيعي في المهرجانات العالمية…
بدأت أتصرف وكأني نجم! لدرجة أنني إن خاطبني أحد الصبية كنت أرد عليه:
“لو سمحت، انت بتتكلم مع أحمد زكي الخليج!”
طبعًا وأنا لسه ما قرأت الدور!
جاء الأستاذ بعد أيام، يحمل الدور، وقال لي بفخر:
“المسرحية اسمها (هجرة المسلمين إلى الحبشة)، وعايزك معانا.”
وبما أنني أسمر، قلت لنفسي: “أكيد هيديني دور ملك الحبشة! شكلي يساعد، ويوفروا مكياج، والدور متفصل علي تفصيل!”
تخيلوا فرحتي… حلم البطولة بدأ يتحقق.
لكن، لكن… حين سلّمني الدور، قرأته بحماسة، ثم…
انفجر البالون!
لم أكن الملك… ولا حتى أحد الحاشية الكبار…
كنت الشخص اللي يحرّك ريشة النعام لتبريد وجه الملك!
يعني، باختصار، كنت جهاز التكييف الرسمي لملك الحبشة.. تخيلوا الصدمة!
الشهرة، الأضواء، السجادة الحمراء… كله تبخّر.
الحسناوات؟ طاروا.
حتى أحلامي الصغيرة صارت “هواء في هواء”!
ومع ذلك… لعبت الدور. رفعت ريشة النعام بكل وقار، وحاولت أقنع نفسي أني أؤدي “دور مهم”.
لكن الحقيقة؟ كنت مجرد “ديكور فاخر”!
ومع ذلك، لا أخفيكم… كان يوم العرض من أسعد أيامي.
قد لا تكون أول تجربة مسرحية لي قد وضعتني على عرش البطولة، لكنها وضعتني على خشبة الحلم.
في تلك اللحظة، أدركت أن الشهرة لا تأتي بريشة نعام، بل بقلوب تجرؤ على الحلم، حتى وإن بدأ الحلم من خلف الملك!
ولنا في الذكريات حياة…
وللولد الشقي فصول أخرى، فيها ضحك وبكاء… عبث وحكمة… وشقاوة بطعم الحياة.