الأدب والشعر

مذكرات الولد الشقي..رحلة البقالة

فايل المطاعنى

فايل المطاعنى

في أيام الطفولة، كانت المهام البسيطة تأخذ طابعًا ملحميًا، وكأنك ذاهب إلى أدغال الأمازون أو تبحث عن كنز مدفون في قلب الصحراء.، وما أعظم تلك المهمة التي تبدأ بنداء من الأم، بصوت لا يقبل المساومة:  “قم روح البقالة… وارجع بسرعة!”

كان ذلك يكفي لتحوّل ظهيرة عادية إلى مغامرة لا تُنسى، فمع كل منعطف، وكل صديق ينضم إليك، تكبر الحكاية، وتزيد جرعة الشقاوة.

في صيفٍ قائظ من تلك السنوات الذهبية، عندما كانت الحرارة تذيب النعال في الظهيرة، قررت والدتي أن توكلني بمهمة “عظيمة”:

روح جيب لي من البقالة خبز، وحليب، وكيس طماط… وإياك تنسى!”

طبعًا، المهمة بدت لي وقتها وكأنني ذاهب في بعثة دولية، المهمّة معقّدة، والحرارة تلسع، والبقالة تبعد “نصف كيلومتر مشيًا على الأقدام”، أي ما يعادل رحلة حج في نظرنا كأطفال.

ارتديت النعال ا المعروف بصفيره العجيب، وأخذت الكيس القماشي، وانطلقت بكل حماس، فأنا الآن رجل مهامّ.

في الطريق، التقيت براشد، فقال لي:

– وين رايح؟

قلت له بكل فخر:

– مهمة عاجلة… البقالة.

فقال ضاحكًا:

– خذني معك، يمكن نلقى آيس كريم ببلاش!

وطبعًا، إنضم إلينا سالم وخالد، فتحولت المهمة العائلية إلى موكب فرح.، وصلنا إلى البقالة ونحن نغني:  يا بقالة يا بقالة… عطنا خبز وحلاوة!

دخلنا ونحن نتمايل، وكأننا نملك المكان، لكن البائع، العم بوباي – هكذا كنا نسميه لأنه أصلع وله عضلات – كان في مزاج متجهم، فقال:

– لا تسوون فوضى!

أخذت قائمة الطلبات، بدأت أضع الأغراض في الكيس، وفجأة… رأيت شيئًا لامعًا على الرف: علكة بطعم المانجا، شيء أسطوري وقتها!

أخرجت جزءًا من الفلوس، وقلت لنفسي:

“أمي مش راح تحس إذا أخذت خمسة وعشرون بيسة للعلكة!”

لكن عندما عدتُ إلى البيت، كانت أمي في الانتظار، تنظر إلى الكيس، ثم إليّ، ثم قالت الجملة المشهورة:

– وين الطماط؟!

ارتبكت… قلبت الكيس… نسيت الطماط!

وقبل أن أجد عذرًا مناسبًا، قالت بهدوء يخيف أكثر من الصراخ:

– وش هذا اللي بفمك؟ مانجا؟!

فهمت حينها معنى جملة: “دع ما لقيصر لقيصر، ودع ما لأمك لأمك!”

ورجعت من فوري… أركض للبقالة… ومعي كيس الطماط ووجه لا يجرؤ أن يطلب علكة ثانية!

قد تكون البقالة على بعد أمتار… لكننا نحن، بقلوبنا الصغيرة وخيالنا الكبير، كنّا نحولها إلى رحلة أسطورية، مليئة بالضحك، والهروب من القطط، ونسيان نصف الطلبات!

ولأننا “العيال الشطار”، كنا نعود دائمًا بابتسامة… وأحيانًا بعلكة مانجا!

الولد الشقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى