الإحسان

الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه وإن لم تكن تراه فإنه يراك، درسنا ذلك في المدرسة، حفظته عن ظهر قلب ولم أحتج أن أذاكره في المنزل، وتخيلت يومها الله يراقبنا من فوق -تعالى الله عن هذا الخيال علوًا كبيرا- وبعد انتهاء الدراسة نسيت موضوع الإحسان تمامًا ولكنني ظللت أشعر أن الله سبحانه معي في كل أمور حياتي، أفكر برضاه وغضبه قبل أن أقوم بأي فعل، وأشعر أنه معي يحيطني برعايته ورحمته.
اليوم بفضل الله صار مفهوم الإحسان أعمق في نفسي، يزداد شيئًا فشيئًا وأدرك ما أكن أدركه في السابق، الوصول إلى مرتبة الإحسان مرتبة لا يصل إليها الإنسان إلا بهداية من الله وتوفيقه لمن يحب ويرضى، -وكل خير يحصل عليه الإنسان ما هو إلا بفضل وكرم من الله- ولأن الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه، يجب على الإنسان أن يشعر بذلك دائما وهذا لا يتحقق إلا عندما ينشغل اللسان بذكر الله، حمد الله على نعمه وتسبيح وكثرة الاستغفار على الذنوب الكبيرة والصغيرة فلا يوجد إنسان خالٍ من الذنوب ومن يستشعر بمعية الله يعود فورا إليه يطلب المغفرة منه ويعزم على عدم العودة، ولأننا نقع في الذنوب دون أن نشعر فلنشغل ألسنتنا بالاستغفار في كل وقت وحين. من الأسباب التي توصل الإنسان إلى الاتصال بنور الله وبلوغ مرتبة الإحسان بإذن الله: هي التقوى، اليقين، التوكل، التسليم، الرضا، العبودية، محبة الله.
التقوى هي أن يجدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك، فالزم الطاعات وابتعد عن المحرمات ما استطعت، ولا تيأس من رحمته وتب إليه وإن كانت ذنوبك مثل زبد البحر. اليقين هو أن تكون واثقًا بالله وتشعر أن لا وجود للمستحيل مع الله، وأن تكون متأكدًا أنه لن يضيعك حتى لو كانت الظروف المحيطة بك توحي بغير ذلك، التوكل هو أن تفوض أمرك كله لله يدبره كيف يشاء مع الأخذ بالأسباب دون ملل وكلل، وطرق الأبواب مرارًا وتكرارًا. التسليم هو الانقياد لأوامر الله ونواهيه وحكمته في تدبير الكون دون اعتراض. والرضا هو أن يتقبل الإنسان أقدار الله كلها بقلب مطمئن، ولا يسخط، ولا يعني ذلك أن يكون الإنسان سلبيًا بل يحاول جاهدًا دفع الضرر عنه ما استطاع ولكن مع سكينة في القلب. العبودية هي أن كل يخضع للمولى عزَّ وجل خضوع العبد الذليل المنكسر الضعيف، وكمال حرية الإنسان هي أن يتحرر من استعباد كل شيء إلا الله. وأخيرًا الحب، وهو أن يحب العبد ربه ويحب أفعاله وأسمائه وكلما فهم عنه كلما ازداد حبًا له، ولا يعني ذلك إن لا يشعر بالخوف والرجاء، فالمؤمن حقًا يعيش بين الخوف من عقابه والرجاء برحمته والحب منزلة ثالثة، اللهم ارزقنا جميعا حبك وارزقنا الإحسان.