روايات المواقع

الرواية هي فن نثري يحاكي الواقع من خلال شخصيات وأحداث خيالية، وقد اشتهر هذا الفن في أوروبا ثم انتقل إلى الوطن العربي، وتصدرت أسماء لامعة كتبوا عن المجتمع وعبروا عن آلامه، بأقلام ناضجة وخبرة في النفس البشرية، مثل: نجيب محفوظ، ابراهيم نصر الله، علي أحمد باكثير وغيرهم كثر، لكن اليوم مع تطور التكلونوجيا وانتشار المواقع الإلكترونية أصبح من السهل على أي أحد أن يكتب وينشر أي كانت ثقافته أو نضجه، أو علمه بالنفوس البشرية، مما أدى إلى أن أصبحت المنتديات والمواقع الإلكترونية مليئة بروايات تنشر على شكل (بارتات) أو فصول، يُشكل العنف بمختلف أنواعه الحدث الأبرز فيها، ومهما اختلفت الأحداث إلا أنها تتمحور حول البطل الغني والمتعجرف الذي يتزوج فتاة فيضربها أو ربما يغتصبها لأنه يحبها أو يغار عليها! وتنتهي الرواية بأن تقع الفتاة في حبه بعد أن تعرف أنه في الأصل شخص طيب لكنه مرَّ بظروف قاسية جعلته مجرمًا، وبعد محاولات وصراعات تسامحه ويعيشان بسعادة!! لا تكاد تخلو رواية -إلا فيما ندر- من هذا الحب الذي يبدأ بانتقام وينتهي بحب ووئام!! ولا يُبرر انتشارها إلا استمتاع القراء بهذا العنف الذي تشمئز منه النفوس السوية!
المشكلة تكمن في أن الفتيات عاطفيات، وتتلاعب بهن خيالاتهن، فعندما يكثرن من هذا النمط من الروايات سيستقر في الذهن أن الرجولة هي أن يكون الرجل عنيفًا مع حبيبته جدا وهذا دليل الحب والغيرة! ولا أدري إن كان هذا النوع من الروايات يجذب الشباب، إن كانت تجذبهم فقد يظهر جيل يعتقد أن المرأة تحب من يكون قاسيًا معها، وأنه ما سيكون رجلًا إلا إذا كان متعجرفًا أو ذا مكانة عالية!
الواقع أن العنف لا يولد سوى الكره والحقد، والإنسان المضطرب نفسيًا الذي يضرب. ويغتصب لا يمكن أن تحبه أي امرأة إلا إذا كانت غير متزنة نفسيًا!! وللأسف بعض الفتيات يعتقدن أن هذا هو الحب الحقيقي. الحب الحقيقي لا يأتي إلا بعد مواقف وصعوبات، وعشرة طيبة، قائمة على المودة والرحمة، أما ذلك التعلق المريض فلا مكان له في الواقع. شاهدت مقطعًا في أحد الأيام لاستشاري أسري يُدعى أكرم رضا معلقًا على موضوع الضرب قائلًا فيما معناه أنه إن جاءت إليه زوجة تشتكي ضرب زوجها فإنه ييأس من الإصلاح بينهما قبل أن يحاول!!
الإكثار من قراءة هذه الروايات مشكلة حقيقية، لست ضد أي كاتب مبتدئ ليس لديه خبرة في علم النفس، المشكلة في المادة المقدمة، وإن كان من القراء من لا يستطيعون التوقف عن هذه قراءة هذه الروايات على الأقل أن يخففوا منها قليلًا وفي المقابل عليهم بقراءة كتب أخرى في مجالات أخرى، شرط أن تنطلق من مرجعية دينية حتى يستطيعوا موازنة الأمور ووضع كل فعل وقول في مكانه الصحيح، حتى يأتي يوم يتخلصون فيه من تضييع أوقاتهم بخيالات لا تقدم شيئًا.