التوقعات المتناقضة بين الطاعة والاستقلال


د.آمال بوحرب
يريد الرجل من المرأة أن تكون مطيعة لكن مستقلة غيورة لكن متفهّمة مغفلة لكن لطيفة ناعمة لكن قوية هذه التوقعات المتناقضة تعكس صراعًا داخليًّا في تصورات المجتمع عن دور المرأة وطبيعتها من ناحية يطلب منها أن تكون قوية ومستقلة لتواجه تحديات الحياة ومن ناحية أخرى يتوقع منها أن تظل لينة ومطيعة لتلبي توقعات العلاقات التقليدية هذه التناقضات لا تضع المرأة في موقف صعب فحسب بل قد تؤدي إلى شعورها بالضياع والتناقض الداخلي مما قد يصل إلى حد ما يشبه “انفصام الشخصية” إذا حاولت التوفيق بين هذه الأدوار المتباينة
1-غيورة لكن متفهّمة بين العاطفة والعقل:
الغيرة شعور طبيعي يعكس الاهتمام والحب لكن عندما يطلب من المرأة أن تكون غيورة وفي الوقت نفسه متفهّمة فإنها تواجه تحدّيًا كبيرًا الغيرة قد تدفعها إلى التعبير عن مشاعرها بصراحة بينما التفهم يتطلب منها أن تكون متسامحة وحكيمة هذا التوازن الدقيق بين العاطفة والعقل قد يكون مرهقًا خاصة إذا لم يجد الطرف الآخر استجابة متوازنة الفيلسوفة سيمون دي بوفوار في كتابها “الجنس الآخر” تشير إلى أن المرأة غالبًا ما تجبر على لعب أدوار متناقضة لتلبية توقعات المجتمع مما يعيقها عن تحقيق ذاتها الحقيقية
2-مغفلة لكن لطيفة بين البراءة والحكمة:
يُتوقع من المرأة أن تكون مغفلة إلى حد ما وكأنها لا تعرف كل شيء لكن في الوقت نفسه يطلب منها أن تكون لطيفة وحكيمة في تعاملها مع الآخرين هذا التناقض يضعها في موقف صعب حيث يُتوقع منها أن تتصرف ببراءة طفولية بينما تتحمل مسؤوليات تتطلب نضجًا وحكمة الشاعرة أدريين ريتش تقول “المرأة ليست كائنًا يجب تشكيله وفق توقعات الآخرين بل هي كيان مستقل له الحق في أن يكون كما هو” هذه التوقعات المتناقضة قد تجعل المرأة تشعر بأنها مجبرة على ارتداء أقنعة مختلفة مما يؤثر على صحتها النفسية وعلاقاتها
3-ناعمة لكن قوية بين الرقة والصلابة:
يطلب من المرأة أن تكون ناعمة ورقيقة لكن في الوقت نفسه قوية وقادرة على تحمل الصعاب هذا المزيج بين الرقة والصلابة قد يكون صعب التحقيق خاصة في مجتمع يفرض على المرأة أن تثبت نفسها باستمرار الفيلسوف فريدريك نيتشه يقول “في كل امرأة قوية هناك طفلة تبحث عن الحب” لكن هذا لا يعني أن المرأة يجب أن تتنازل عن قوتها لتلبي توقعات الآخرين بل على العكس يجب أن تكون قادرة على الجمع بين قوتها الداخلية ورقتها دون أن تشعر بالتناقض.
ونحو فهم أكثر توازنًافي النهاية إن هذه التوقعات المتناقضة تعكس تصورات مجتمعية قديمة تحتاج إلى إعادة نظر المرأة ليست كائنًا يجب تشكيله وفق رغبات الآخرين بل هي كيان مستقل له الحق في أن يكون كما هو بدلًا من فرض أدوار متناقضة عليها يجب أن نعمل على بناء علاقات تقوم على التفاهم والاحترام المتبادل حيث لا يطلب من المرأة أن تكون “كل شيء” في وقت واحد كما قال الكاتب خليل جبران “الحب الحقيقي هو أن تعطي الآخر حرية أن يكون نفسه” وهذا ما يجب أن نطمح إليه في علاقاتنا سواء كنا رجالًا أو نساءً.
د/آمال بوحرب