كاشيير رقم 4….الجزء الأول


بقلم سميره بن سلمه التميمي
كاشيير رقم اعتدت خلف هذه الطاولة التي تتربع عليها ماكينة الحساب كملكة متوجة على عرشها. يهتم بإنجازها السريع كل مشتري أكثر مني أنا.
أحيانا كثيرة كنت أشعر أن البعض ينظر لي كآلة عليها إنجاز مهمتها بسرعة عالية دون توقف ولا أستراحة! وأن البعض يحترم هذه الماكينة أكثر من أحترامه لي كإنسان!
لا تسألني لماذا أعيش هذه النظرة السوداوية بل وأكثر منها، وأنت لم تجرب هذا الجلوس المؤبد كسجين محكوم عليه بالإعدام كل يوم وهو مرغم أن يحيا بعد كل إعدام لروحه من جديد!
فأنا كتلوج كل تلك المشاعر المتناقضة في البشر!
علي أن أتفهم عجلة ذلك الذي ترك سيارته في موقف خاطئ وهو يأمرني صارخا في وجهي بالسرعة كأني أحد أفراد عائلته الموقرة! لينجو من قبضة مخالفة مرورية متربصة!
كما علي أن أتحمل هراء ذلك المتفلسف المتعجرف الذي يناقشني في أرتفاع أسعار البضائع وكأنني المسؤولة عن تحديدها!
وزخام من تلك الأقنعة الرديئة التي تعتقدني سلعة رخيصة الثمن، فتلقي كلمة هنا وهناك تحرك بها شعوري البائس الذي ينتفض كمداً حتى غدا كبركان خامد قابل للإنفجار في لحظة ما، فقط لأني إرتضيت أن أكون كاشيير!
ثم علي أن أقبع في دهاليز الصمت وأناقة الروح ولطافة الذوق عندما يخطئ الجهاز في حسابه الدقيق جدا!! معتذرة عن خمس وعشرين هللة أو مئة من الريالات تم إحتسابها بالخطأ!
وأن أرتدي رداء الحكمة ومهمة القاضي العادل للفصل بين خصمين سبق أحدهم الأخر أو اعتدى على موقفه لأنه لايحمل الكثير من المشتريات في ذلك الطابور الموبوء بحمى مجتمعية من العادات التي تزكم إنسانيتي للأبد؟!!
هل تعرفون من أنا ؟…
أنا أسمي عفاف، وعملي أظنكم قد عرفتوه في تلك المقدمة المدبجة من واقعي المرير .. وماتلك إلا صفحة عقيمة تضاربت خطوط حبرها لتشكل في أعماقي شخصية ذابلة من كل شيئ!! كشكول من سلوكيات كل البشر ارتسمت معالمها البارزة في نظرتي لكل شخص في هذا العالم!
لارمادية في حياتي المهنية أبدا… أو ربما لم يأتي القدر لمدة عام ونصف بذلك الرمادي الذي يجعلني أغير تلك النظرة الرديئة للعالم من حولي…… فالأشخاص اللذين صادفتهم إما أبيض أو أسود، كنت أجد ذلك الأبيض المتعاطف لوضعي المهني ينظر لي بشفقة متكلفة وغير صائبة في محلها…. حتى ظننت أني أقف على باب المتجر أتسول عاطفة أو شفقة أحدهم لتغدق علي بما تبقى من حساب بضاعتهم!
عفوا أيها الأبيض لاتبالغ كثيرا فأنا موظفة في مهنة محترمة وشهادتي جامعية ومن أسرة كريمة وكل ماجعلني أمتهن مهنة قد تراها مثارا للشفقة في نظرك الأبيض أو محل للأسوء في نظر تلك الشخوص السوداء التي ظنت أني عابثة وأن وقتي بضاعة مزجاة في قوافل الفراغ العابرة! أو الرفاهية الزائدة….
عفوا ياهؤلاء إن كل جرمي ربما!! هو أن أبي مات وترك خلفه زوجة ضعيفه لاحول لها ولاقوة وأبناء يتامى أكبرهم أنا التي أنهيت مرحلتي الجامعية وكان علي لزاما أن أتعفف بأسرتي عن السؤال و أحمي نفسي من مطامع الذئاب وأكون لأمي سندا.
عفوا أيتها الشخوص البيضاء والسوداء (كان عليكم أن تكونوا حينها بجانبي عندما هزمتني الأشياء لا أن تكونوا من ضمنها!!)
عندما أصل للمنزل أكون كومة من أحداث ضجت بها ساعات يومي، أعود بحقيبة مليئة بالمواقف المزعجة، أغوص في تفاصيلها وأنا ارتمي على سريري في شجن عميق تسري دموعه الخفيه بين جوانحي، فأنتبه لصوت أمي الدافئ وهي تقول لإخوتي منبهة إياهم دعوها لاتزعجوها أختكم متعبة! حينما تستيقظ سنأكل جميعا معها…..
و للقصة بقية…..