Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الأدب والشعر

حيرة

فتحية بن كتيلة _الجزائر

فتحية بن كتيلة _الجزائر

جلست أمام نافذة غرفتها. والشمس على مغيب، وضعت يدها على خدها والدمع تساقط زخات زخات. تنهدت وقالت: هل سأنجح؟ هل سأحقق حلم أمي؟

أمي التي تجرعت الألم لأدرس… تركت كل شيء من أجلي…. حين تخلى عنا الجميع…

أمي التي تحملت المسؤولية وهي لم تتجاوز 17 عامًا… ذكريات تتزاحم… أفكار مظلمة…

بكت كثيرًا حتى تألمت… انتفخت عيناها واحمرّت…

هل بسبب عدم القدرة على النجاح أو بسبب ألم دفين لم تعرفه؟

ثم كفكفت دمعها ووقفت أمام المرآة، وقالت: لماذا لا أنجح؟ فأنا دومًا متميزة متفوقة… وهذا مجرد امتحان كباقي الامتحانات…

لكن يقولون إنه صعب ويصعب النجاح…

أريد أن أكون طبيبة… نعم، طبيبة.

ومعدل الطب مرتفع… أريد أن أرتدي المئزر الأبيض… وأقف أمام المرآة وأعانق أمي…

يا الله ماذا حدث؟ أشعر بألم في معدتي… أمعائي تتقطع…

فجأة وجدت نفسها على سرير أبيض وسمعت الطبيب يقول:

ليس هناك سبب عضوي، المعدة سليمة، والأمعاء كذلك. يمكن إرهاق أو قلق.

أرادت أن تتكلم لكنها عجزت وراحت في غيبوبة.

دخلت الأم مسرعة: حبيبتي… ابنتي ماذا حدث؟

كانت في صحة وعافية، ماذا حدث؟ ابنتي، حبيبتي! وتصرخ: أنا السبب، سامحيني….

أريدك طبيبة

الطبيب: اهدئي، هي بخير.

الأم: ما بها، دكتور؟

الطبيب: يمكن حالة إرهاق أو قلق فقط، لا تقلقي.

الأم للخالة: ابنتي مسحورة… ابنتي معيونة… تسكنها أرواح شريرة… لابد أن آخذها للراقي… اتصلي بالراقي سريعًا…

الطبيب: ستبقى الليلة هنا، سنزودها بمقويات وفيتامينات، اهدئي، هي بخير.

الأم: لا، سأخرجها، ولابد أن آخذها للراقي… الطب لا ينفع، متأكدة…

تسمع حوار أمها مع الطبيب:

أمي تريدين طبيبة، والطبيب لا ينفع…

أفكار تتصارع في ذاكرتها… نار الأسى تحرق طموحها…

أريد أن أكون مترجمة في اللغة الإنجليزية…

بعد ساعتين، سمح لها الطبيب بالخروج.

تمشي بخطى متثاقلة… تريد أن تخبر أمها أنها لن تستطيع تحقيق حلمها أن تكون طبيبة.

أمي… أمي….. لا أقدر على شرب الماء

الأم: اشربي وسيزول السحر والعين…

إني لا أقدر….

تقيأت كثيرًا وشعرت بدوار، ثم دخلت في غيبوبة.

جسدها النحيل لم يتحمل ضربات الراقي، ولا كثرة الشرب، ولا استنشاق البخور، دخان كثيف منع رئتها البريئة من استنشاق الأكسجين.

أخذتها مسرعة بالإسعاف للمستشفى.

تردد الطبيب في إدخالها للمستشفى، ولكنه استسلم لإنسانيته وتخلى عن كبريائه أمام دموعها وتوسلاتها:

أرجوك دكتور، ابنتي وحيدتي… أرجوك، ابنتي طبيبة المستقبل…

دخلت العناية المركزة لمدة خمسة أيام.

بدأت تتماثل للشفاء تدريجيًا.

الطبيب: الحمد لله، أقلقتنا عليك. يا لله، يا بطلة! أنتِ متميزة، البكالوريا في انتظارك…

البنت: نعم، لا أرغب أن أكون طبيبة. حلمي أن أكون مترجمة.

أحب الترجمة.

الطبيب: نعم، ادرسي ترجمة.

البنت: أمي ترفض أن أكون غير طبيبة.

وأنا أخاف أن أرفض قرار أمي… أمي ضحت من أجلي.

إنني لا أنام من الخوف والهلع. لا آكل، أشعر بألم يمزقني…

دخلت الأم لتقطع الحديث بينهما.

قالت: أخبرها يا دكتور أن الطب أفضل مهنة.

الطبيب: كل المهن جيدة، وكل مُيَسَّر لما خلق له. وكل يفيد من جانبه.

الأم: آه يا دكتور، أريدها طبيبة، فأنا ظُلمت في حياتي، أريدها أن تعوضني.

وهي في بطني كدت أموت أنا وهي، ولكن بفضل طبيبة “ندى” نجونا.

تستطيع أن تكون مترجمة وتعوضك ما فات.

 

ابنتك تعاني من إرهاق وقلق، لم تتحمل الضغط.

اختاري ابنتك عوض الطب، وستشرفك… أعطيها فرصة.

 

وفي لحظة خاطفة، كبر الفرح وتحقق الحلم، واحتضنت الأم ابنتها وأُعلنت الزغاريد مدوية بنجاحها في البكالوريا.

وسارت وراء حلمها رويدًا رويدًا… وكتبت في دفترها اليومي:

“نحن لا نُحلّق فقط، نحن ننمو ونحيا وراء طموحاتنا…”

ضحكت الأم لما تذكرت إصرارها أن تكون ندى طبيبة… وهي تقص شريط افتتاح أكبر مدرسة خاصة لتعلم الإنجليزية والترجمة.

في تلك الليلة الباردة، جلست الأم تحدث حفيدتها التي عزمت أن تكون طبيبة، وراحت تقنعها أن الخير فيما اختاره الله، وأن نختار ما نحن نرغب فيه ونحبه.

وتنهدت ثم صمتت، وتركت فرصة لدموع السنين أن تنهمر.

ثم تنفست الصعداء، وصلت الضحى، ووقفت على عيادة حفيدتها بجانب مدرسة الترجمة لابنتها.

ثم سجدت لله شكرًا أن رأت ابنتها في القمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى