شيخة الدريبي
العلاقات الإنسانية تقاس بمدى التوافق أو الاختلاف في العقول والميول والأمزجة، ومدى التجاذب أو التنافر في العلاقة، ومدى الرفض أو القبول للآخر، عن طريق المسافة الشخصية (الاجتماعية) بين الأفراد. لكل إنسان حيزا شخصيا، ومسافة محيطة به وأي انتهاك لهذه المسافة بطريقة تعسفية دون إذن أو رضا، قد يتسبب في حدوث مشكلات. وتعتبر سعة المسافة الشخصية وضيقها من المؤشرات المهمة في تحديد شعور الإنسان سواء بالراحة أو الانزعاج وبالتالي تؤثر على الطريقة التي يتصرف بها في التعبير عن تلك المشاعر، الأمر الذي يقود إما إلى اللجوء للعنف بجميع أشكاله أو إلى تحقيق الرضا والإشباع في العلاقة مع الآخر.وتختلف المسافة الاجتماعية وأبعادها وتعريف الحيز الشخصي من شخص لآخر فهناك من يحب التقرب إلى الآخرين أو أن يقربهم إليه، ويرغب أن يكون حيزه ومحيطه الشخصي مملوءا بالناس والأشياء، ويستمد حيويته وطاقته من مشاهدتهم والتحدث معهم ومشاركتهم همومهم وأفراحهم وهناك من يحب أن يكون حيزه الشخصي بعيدا ومحدودا، ولا يتحمل غزو الآخرين أو اقتحامهم لحدوده ومسافته الشخصية. ولذلك فان كثيرا من المشاكل قد تحدث بين النوع الأخير وبسبب اقتحام أولئك للخطوط الحمراء التي وضعوها لأنفسهم. وتفسّر المسافة الاجتماعية وحدودها مدى قوة العلاقة بين الأفراد، ومهما بلغت درجة القرب في العلاقات يجب أن تحترم المسافة الشخصية بحدودهاعلى الأقل، ولا يعني احترامها وعدم انتهاكها جفاف المشاعر وضعف العلاقة وإنما يشير إلى احترام الذات واحترام خصوصية الآخر. وبالتأكيد تختلف المسافة الشخصية باختلاف مكانة الأشخاص المهمين في حياة الفرد ومدى قربهم أو بعدهم ونوع العلاقة ..
لذلك يجب احترام المسافة الشخصية مع الآخر مهما كانت العلاقة الأمرالذي يؤدي إلى ديمومة العلاقات وتخفيف حدة سوء التفاهم والمشاكل الاجتماعية الناجمة عن اختراق المسافة الاجتماعية.فكل شيء في الحياة يمكن قياسه؛ فالزمن مثلا يقاس بالأيام والشهور والسنين، وتقاس المسافات بين الأماكن بالأمتار والأميال، وتقاس الخبرات بالعلم والمعرفة والتجارب الشخصية مثل المسافات الحميمة وتكون أكثر خصوصية هذه المسافة بين الأزواج والأشقاء والآباء والأمهات والمسافة الصديقة وتكون بين الأصدقاء القريبين من بعضهم البعض،أما المسافات الاجتماعية تكون عادة بين المحاضر والطلاب أو رئيس العمل والموظفين وأخيرا المسافات الغريبة وتكون بين الغرباء في وسائل المواصلات مثلا أو في الشارع..وقد حدد أربع مناطق للمسافات التى يقوم بها الفرد ويطلق عليها تفاعلات ويمكن للفرد أن يتعلم من خلال علاقاته بالآخرين, ويتحقق ذلك من خلال ملاحظه المسافة الواجب توافرها بين الفرد والآخرين لكي تتحقق الراحة للجميع.وإن الحفاظ على الحيز الشخصي وتنظيمه يُؤثر بشكل مباشر على الكثير وأصبح أسهل عليّنا الاحتفاظ بصديق أو زميل أو قريب، لأننا ندرك المسافة التي يجب أن نحددها لكل من هؤلاء..
