قصة مع سرب الحمام .. الجزء الثالث


سميره التميمي
عندما أخبرني ناصر برغبته في الزواج من وفاء كان ذلك في شهر ربيع الأول من العام الهجري ١٤٤٢،كنت وقتها في السنة الثالثة من كلية الطب، وكان عقد قرانه في ذلك الشهر، ثم زواجه الذي تقرر أن يكون في شهر رجب من نفس العام.
عائلة ناصر معروفة في الحي، معظم مناسباتهم مختصرة وعائلية حتى من قبل الحجر وكورونا ولا يفضلوا الإزدحامات والبذخ في الأفراح، لذا اتفقن بنات الحي على الإجتماع في منزل وفاء من أجل تقديم التهاني والتبريكات لها، قدمت الإعتذار لوفاء من المناسبة بحجة أني لازلت في مرحلة التشافي والتعافي من جراء إصابتي بفايروس كورونا. لكن أماني أصرت على حضوري،
وهاتفتني قائلة : لقد مضى شهر منذ أصبتي بذلك، أرجوك أنا أفتقدك كثيرا بسبب انشغالاتي بالدراسة وهذه فرصة نجدد نشاطنا بعد الضغوطات ، أرجوك
نوال : حسنا حسنا سأحضر لكني لن أبقى لأخر السهرة
أماني : لابأس أنا في انتظارك
………….
في منزل وفاء..
في الساعة ٦ مساءا اجتمع الجميع تقريبا كنت أخرهن وصولا. تجاذبنا جميعا أطراف الحديث والحوار حول احداث مابعد التخرج وكورونا ومشاعرنا في الحظر
كان كل شيء يسير على مايرام وبدأت بتقبل الأجواء والإندماج مع الفتيات حتى قالت سعاد ابنة خالة وفاء ممازحة لها :ماشاء الله كنت متأكدة انك مخطوبة لناصر من زمان وأنت تتظاهري أنه لاشيء من هذا بينكما!
اطرقت وفاء رأسها خجلا
قالت اماني : صحيح هذه رغبة والدي وعمي منذ صغرهما وحقيقي لما كبر ناصر كنت أشعر بقلق تجاه مشاعره نحو وفاء وهل سيمضي رغبة الكبار ام لا، ولكنه اثبت جديته عندما تحدث مع أبي بنفسه راغبا بذلك.
ردت وفاء : نعم لقد قلت لوالدي أننا كبرنا ونحن لانريد أن نقطع أخوتكم برغبات قد لا يوافق عليها الأبناء فيكون أحدنا ضحية هذه الرغبات، واشترطت أن يخطبني ناصر بنفسه دون ضغوط من أي أحد، وفعلا بلغ والدي ناصر بذلك منذ أن كنا في الثانوية، لكن ناصر لم يتحدث حينها بأي شيء، وعندما تقدم لوالدي راغبا بذلك بنفسه. تم الأمر والحمد لله.
علقت ايمان ساحرة وهي تغمز لوفاء قائلة : الحمد لله ها
ضحك الجميع بينما ذهلت أنا!! لم أشعر حينها بضحكات الفتيات فجأة شعرت بإنغلاق جميع الأفواه والأصوات ، كان هناك ظلام، ظلام شديد من حولي….. كنت أشعر أني في كهف صخوره كالصقيع أشعر ببرودة تسري في كل عروقي، بشيء ينهش أجزاء جسدي، هل هو الموت؟ هل ستفيض روحي الأن؟ أشعر برغبة في البكاء لكني لا أستطيع، أريد أن أملأ هذا الكون بصرخاتي، بالأنين الذي امتلئ في كل خبايا روحي، أريد أن أخبر العالم كله بأن ناصر كان يهزأ بي! كان يعبث بعواطفي، كنت لعبته في وقت فراغه! كنت أريد أن أقول لوفاء بأن ناصر ليس رجلا وأن كلمة الرجولة عظيمة لاتقال لأمثاله أبدا ، شعرت بجنون الإنتقام ، وبأعياء الخذلان ولكني لم أعد أقوى على الحراك الأن، ولا اعرف أين أنا؟؟
…………..
فتحت عيناي ببطيء شديد، أشعر بثقل في جميع أنحاء جسدي، سقف الغرفة مألوف بالنسبة لي وكل هذه الأجهزة من حولي أعرفها جيدا، وهذا الصوت، نعم هذا الصوت سمعته كثيرا قبل وفاة والدي ، أظنني أدركت أين انا؟ لا أعلم ماذا حدث بالضبط لكني تيقنت اني أرقد على هذا السرير في المستشفى، تطاولت ببصري هنا وهناك لعلي ألمح أحدهم لكني لا أرى أحد ، أشعر باعياء شديد ومرهق جدا،. ثم إني لم أعد أشعر بشيء!
مضى الكثير من الوقت ربما أو القليل حتى فتحت عيني ثانية كانت أمي بجواري تبكي….
أُمي وإن طالَ الزمانُ حبيبتي
ورفيقتي في الحُزنِ والضحكاتِ
أُمي طبيبةُ خاطري ودواؤُهُ
أُمي ولا تكفي لها الكلماتِ
أُمي وإن هجر الجميعُ مرابعي
بقيت لتزرع في الهشيم رُفاتِ
أُمي وإن نسيَ الجميعُ ملامحي
كانت تُناجي الله في الصلواتِ”
أمسكت بيديها الدافئتين وناديتها بصوت خافت أمي انا بخير!
_ صغيرتي يامهجة قلبي وقطعة روحي، ماذا أصابك مالذي يرهقك ياحبيبتي؟
_ لا تخافي ياأمي ، أنا بخير،. أعدك سأكون بخير لأجلك أنت ، أنت فقط.
_ لقد ذهب والدك رحمه الله ولم يبقى لي أحد سواك انت وفهد أرجوك كوني بخير ياابنتي، يا قطعة من روحي
_ لا تقلقي ياأمي ، ماذا قال الطبيب عن حالتي؟
ماذا حدث لي ياأمي؟؟ .
_ كنت في منزل وفاء، ثم اتصلوا بأخيك عندما أغمى عليك فجأة في منزلهم، وتم نقلك إلى هنا. والحمدلله جميع فحوصاتك سليمة، والطبيب يقول لعلك تعانين من ضغوط نفسية بسبب الدراسة، هوني على نفسك ياصغيرتي
_ نعم ياأمي سيكون كذلك بإذن الله، أعدك اني سأعود كما كنت، أعدك ، أرجوك ياأمي أنا ايضا أريدك أن تكوني بخير لاتقلقي من أجلي لقد وعدتك.
_ حسنا يابنتي… يارب يارب تكوني بخير. أنا أثق بك.
عدت للمنزل أخيرا ، لدراستي، ولكتبي ، غرقت في عالمي الخاص، وكنت قد دخلت في مرحلة التخصص ثم التدريب والتطبيق العملي بإحدى المستشفيات، مضى عام على زواج ناصر ، تشافيت من الكثير، الكثير من متاعب جسدي، ومتاعب القلب، ومتاعب الذكريات… شعرت بصلابة في روحي،. وقوة في شعوري، واتزانا في عواطفي وانفعالاتي، لقد صقلتني هذه التجربة المريرة كثيرا، فالحمد لله.
“لَكَم أفضنا عليه مِن مشاعرنا
أكانَ يحسَبُها فرضاً نُؤَدِّيهِ
يمشي على القلبِ مختالاً بهِ صَلَفٌ
كأنمّا القلبُ عَبدٌ مِن مَواليهِ
إن كان يحسِبُ فَرطَ الحُبِّ يدفعنا
إلى المَذَلّةِ قَد خَابَت مَسَاعِيهِ
أو كانَ يَشعُرُ أنّ الحُسنَ خَوَّلَهُ
حَقَّ العبادةِ لا جادت غَوَادِيهِ
يتبع…..