Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.

قراءة في رواية أعراس آمنة للكاتب الفلسطيني إبراهيم نصر الله (الجزء 2)

ترصد الرواية أحداث العنف التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، أبشعها القتل وأقلها الحرمان من أبسط الحقوق كإقامة أعراس، أو تشييع جنائز، أو احترام الموتى في قبورهم. تصور الرواية المجازر التي تسقط قتلى وجرحى حتى اعتاد الناس أن يسقط شهداء كل يوم، وصاروا منشغلين بمن يموتون. “يقتلون شبابنا كل يوم، ويجب ألا نفاجأ. يجب أن تكون هناك قبور جاهزة.” (الرواية ص56) يخرج المرء من بيته لقضاء بضع حوائجه، فيعود إلى أهله شهيدًا. “خرج لكي يوزع بطاقات الدعوة لعرس أخيه محمد، ولم يعد لأسرته إلا شهيدًا.” )الرواية ص50)

ترى قصفًا بالطائرات، وإطلاق رصاص، وقنابل راح ضحيتها أشخاص أبرياء لا ذنب لهم، كأنهم يهدفون إلى إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، فهم لا يتوقفون عن القتل، ولا يسمحون بإسعاف الجرحى. وعن المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي يقول الراوي على لسان عزيز أحد الشخصيات الثانوية: “قبل أيام فاجأونا بصاروخ قتل ثلاثة، وحين تجمع الناس لإنقاذ من في السيارة والشارع، أغارت طائرتهم، وقتلت سبعة وأصابت خمسين.” )الرواية ص56) ليس الأصعب هو الموت، بل تفتت الجثة إلى أشلاء متفرقة. “هناك شباب بقينا يومين نلملم لحمهم عن الحيطان وسطوح البيت، وحين جمعناهم في أكياس كنا نعرف أن أحدًا لا يستطيع معرفة لحم هذا من لحم ذاك.” )الرواية ص56).

لقد فرض جيش الاحتلال النقاط التفتيشية، وضيقوا الخناق على الفلسطينيين فقيدوا حركتهم، وصار من الصعب الانتقال من منطقة إلى أخرى، لذلك كانوا يبتكرون حيلًا، كي يتمكنوا من عبور الحاجز، كما فعل جمال الذي أراد الذهاب للزواج بآمنة فدخل في نعش وراح أصدقاؤه يبكون. لم يقتنع الجنود، فصعد أحدهم إليه ليتأكد من أن في النعش ميت واتبع طريقة بشعة، ليس فيها أدنى احترام لحرمة الميت، أو مشاعر من حوله، كأنه رجل آلي اعتاد ما يفعل. “استل حربته وغرسها بين شقوق الخشب، إلى أن غاصت في اللحم، وعندما لم يسمع صراخًا، نزل من العربة، لكن شيئًا ما أعاده. غرس الحربة ثانية في مكان آخر تأكد من أنها استقرت داخل اللحم في أعمق نقطة يمكن أن تبلغها، وسحبها ثانية من جديد.” )الرواية ص46).

الأطفال الصغار لم يسلموا من وحشية الكيان الصهيوني، فأحد القناصين في لقاء صحفي قال أن قيادته تطلب منه عدم إطلاق النار على أي طفل عمره أقل من اثني عشر عامًا _وكأن تلك الأوامر فيها رحمة وإنسانية_ وعندما سألته الصحفية كيف يميزون عمر الطفل أجاب: “نحن لا نستطيع أن نطلب من كل طفل إبراز شهادة ميلاده قبل قتله.” )الرواية ص118) إذن لا أحد بعيد عن طلقات القناصين، ولا يخجلون من إعلان ذلك في وسائل الإعلام.

والشهيد في فلسطين هو الأب والابن والأخ والزوج، وحين يسقط، يركض ذووهم للتعرف عليهم، “وكم يكون ذلك صعبًا حين يكون الشهيد بلا ملامح حولته الصواريخ إلى أشلاء! “وكان الدخان يغطي تلك الأشلاء التي لم يحولها الانفجار إلى فحم.” )الرواية ص90) لذلك قد يأتي أكثر من شخص ويدعي أن الشهيد قريبه، وذلك ما حدث مع آمنة عندما استشهد زوجها جمال، جاءت أكثر من امرأة تدعي أن الشهيد زوجها أو ابنها أو شقيقها إلى أن تبين في نهاية المطاف أنه فقيدها. نساء جمعهن الوجع وأمل كل واحدة منهن أن لا يكون من في القبر قريبها، وبين الوجع والأمل تآلفت قلوبهن، وأصبحن كأسرة يربطها الفقد.

حُرم الأهالي من الاحتفاظ بصور لذويهم من المطاردين حتى لا يتعرف جيش الاحتلال عليهم، على أشكالهم، لا يكفي أنهم حُرموا من وجود ذويهم المطلوبين معهم بل يحرمون من أبسط شيء يذكرهم بهم، تجبرهم الظروف على تمزيق الصور. تقول الخالة آمنة:” أمسك الصورة بين أصابع يدي لكي أمزقها، وما إن أحاول حتى ينفجر بكائي، وأقول يا الله لن أستطيع أن أمزقها وأنا أنظر إليه.” )الرواية ص70).

سقطت قنبلة على منزل رندة دمرت كل شيء فيه كما دمرت الباب الذي يؤدي إلى حوش منزل الخالة آمنة وقضت على الجميع باستثناء رندة. تقول رندة موجهة حديثها للخالة آمنة كالعادة “تعرفين خالتي، حين لم نستطع الوصول لأفراحنا المضيئة، يبدو أن حزننا هو الذي أصبح مضيئًا، وإلا لكنا انطفأنا كما تقول جدتي منذ مائة عام.”( الرواية ص138) لكن هذه المرة ظلت تتحدث إلى الخالة آمنة دون أن تتلقى جوابًا، تصر على أن لا تستسلم للغد، وتصر على أن تبحث عن أفراحها المضيئة، لكنها تكتشف أن الحزن هو وحده الذي يضيء ليلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى