مذكرات الولد الشقي…حديقة الحيوانات


فايل المطاعني
في طفولتنا كانت النزهات تعني لنا أكثر من مجرد فسحة… كانت مغامرة عظيمة نرتدي فيها أجمل ملابسنا، نحمل فيها ساندويتشات الجبن وكيس رقائق البطاطس، وننطلق نحو المجهول. ويوم رحلتنا إلى حديقة حيوانات العين كان يومًا لا يُنسى… أو بالأحرى، يومًا لا أستطيع نسيانه!
كانت الرحلة إلى حديقة الحيوانات حلماً مؤجلاً. استعدّت أمي كأننا مسافرون إلى أفريقيا، وألبستني طقماً جديداً حذّرتني فيه: “لا توسّخه، لا تمزقه، لا تختفِ!”… وكان عليّ أن أنفذ على الأقل بنداً واحداً من هذه الثلاثة. لكنني خيّبت أملها كعادتي!
وصلنا إلى الحديقة، وكان كل شيء هناك يلمع في عينيّ: الزرافة تمدّ رقبتها وكأنها تسألني عن اسمي، والأسد نائم كأنه مشبع من الضحايا، أما القرود فقد شعرت أنهم من أقاربي! وبينما الجميع يشاهد عرض البطاريق، كنت أنا في مهمة استكشافية سرّية.
وجدت نفسي أركض خلف طاووس، ثم قفزت فوق حاجز صغير، ثم تبعته سلحفاة – لا تسألني كيف – ثم وجدت نفسي وحدي، تمامًا، في مكان لا أعرفه. لم أكن خائفًا، بل كنت مستمتعًا… حتى شعرت أنني ضائع.
بدأت أبكي، بصوت متقطع… ثم بدأت أخترع القصص لمن سألني: “ضعتُ لأن أسداً طاردني!”، “أمي كانت تصوّرني مع التمساح ونسيتني!”… لكن الحقيقة أنني ببساطة ركضتُ كثيراً ونسيت أن أعود.
بعد ساعة – أو هكذا شعرت – ظهرت أمي… لا أعلم كيف عرفت مكاني، لكنها ظهرت ووجهها مثل غيوم العاصفة. حضنتني أولاً، ثم أعطتني تلك النظرة… ثم جاءت العلقة التاريخية في دورة المياه بجانب قفص الفيلة. ولا زلت أسمع صدى الصفعة الأولى حتى اليوم!
عدنا إلى البيت ذلك اليوم، وأنا أجرّ أقدامي وأفكّر أنني الوحيد في العالم الذي بدأ رحلته بطاووس وانتهى بعلقة. لكن رغم كل شيء، كانت أجمل نزهة في حياتي… لأنها جعلتني نجم القصة، وموضوع العبرة، وبطل الحكاية التي تُروى حتى اليوم في كل جلسة عائلية.
وإن سألتني إن كنت أرغب في العودة؟ بالتأكيد… لكن بشرط: بدون أمي.