Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الأدب والشعر

في أبجديات التحدي والطموح

حسام الدين الغيري/تونس

حسام الدين الغيري/تونس

كان فراق الأب الشهيد الأستاذ عبد المعز عسيرا، مضنيا وقاسيا. كان وقعه كهزيم الرعد في ليلة قمرية هادئة. لقد إستقبل مصطفى هذا المصاب الجلل بهدوء شديد وصمت كئيب، فأصبح ذلك الشاب مدمن التفكير والسهر، كما أدمن منذ ذلك الحين شرب السجائر والقهوة السوداء. فأمضى يخطط ويرسم خططه المستقبلية، إذ يجب عليه أن يبحث عن عمل كي يلبي مصاريف دراسته وكي يساعد أخاه عبد العزيز على تلبية مصاريف المنزل، حيث يعمل عبد العزيز مهندسا للبرمجيات في شركة خاصة. في النهاية، وجد مصطفى حلا براغماتيا قاسيا كي يقاوم تلك المصاريف الثقيلة والمسؤوليات المتراكمة، حيث سيشتغل نادلا في إحدى المطاعم الفاخرة وذلك طيلة الفترة المسائية إلى حدود الساعة الثامنة ليلا، فيما سيكافح صباحا لحضور المحاضرات في الكلية. لقد أصر مصطفى على العمل رغم معارضة أخيه الشديدة لتلك المجازفة. كان عبد العزيز حنونا، معطاءا، حكيما، لا زال يحافظ على تلك الابتسامة الهادئة حتى في لحظات غضبه العارمة وذلك حينما أخبره مصطفى بفكرة العمل، فقال بحزم :” كيف لإبن الشهيد أن يعمل نادلا في مطعم؟ كيف ستتحمل يا أخي مشاق الحياة التي لم تألفها من قبل؟ كيف ستتحمل تلك النظرة الدونية؟ كيف لك أن تصبح تابعا ذليلا؟ أرجوك يا أخي لا تفعل.” لقد كانت الساعة حينها تشير إلى العاشرة ليلا وكانت الإذاعة الوطنية التونسية تشدو بصوت الشيخ إمام أغنية “يا ولدي” والتي يقول فيها “سأضمك والصدر جريح وسأعشق والقلب ذبيح، مهما عصفت ضدي الريح، لن أحني في يوم ظهري…”

 

لم يقاوم مصطفى تلك الكلمات الرنانة والألحان الشجية، فإنهمرت دموعه ، وكأنه إستحى من أن يبكي أمام نفسه فيضعفها ويفقدها بريقها وعزيمتها، فلم يجد سوى حضن عبد العزيز ملاذا ، فإرتمى في أحضانه في نوبة بكاء هستيرية مرددا:” أسمعت الشيخ إمام ماذا يقول؟ هذا هو قدري يا أخي، سأبلغ المنى، سأحقق المعجزات، سأكمل طريقي حتى آخر قطرة في دمي، حتى آخر رشفة قهوة،حتى يتمكن من دمي النيكوتين ويذهب الأنين، حتى يجف الدمع، حتى تشرق الشمس مؤذنة بنهاية ليل شتوي طويل، حتى تسلم لي النهايات بروعتها، حتى تقسم لي البدايات بسرمديتها، لن أحني في يوم ظهري.”

 

أدرك عبد العزيز أن أخاه يهذي بكلمات ذات معنى، بتعويذة ملهمة، بسر من أسرار التجلي، بنبؤءة صادقة ،بعصارة تجربة مريرة عاشها بعد وفاة والده، فضمه بقوة إلى صدره ،وقد وافق على مضض على اختياره متمنيا له التوفيق.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى