الأدب والشعر

هُبُوط

بقلم : محمد ريانى

بقلم : محمد ريانى

بدا هذا اليومُ هادئًا ، انطلقتُ مثلَ عصفورٍ أصفر في موسمِ الحصادِ وهو يطوفُ على رؤوسِ السنابلِ الواقفةِ أو الممتدة ، اجتزتُ الشارعَ الواسعَ دون اكتراث، شيءٌ يجذبني للساحةِ المقابلةِ دون أن أعرفَ ماهو؟ فتحتُ البابَ الأنيقَ ووجهي ينطقُ بالبِشرِ دون مقدمات، اعتدتُ على إشراقاتِ وجهِ صديقي الذي تركَ مكتبَه وأَقبلَ يحتضنني، جلستُ مقابلًا له كي ألتقطَ أنفاسي، جيء لي بكوبٍ يحوي مشروبًا ساخنًا، ومن عادتي أن تفكيري يغادرُ نحو كوكبٍ عالٍ في معظمِ حالاتي ، أسرحُ بعيدًا وأنسى الأشياءَ الساخنة، وفي كلِّ مرةٍ تتلاشى حرارةُ المشروب أكثرَ دون شعورٍ مني، في الغرفةِ لاحظتُ أجزاءَ المكانِ وكأنها تحييني ببراءتها؛ الوردة الخضراء المعلقة على الحائط، الصور والتحف وأدوات المكتب، والجدران الأربعة على الرغمِ من رماديةِ لونها إلا أنني رأيتُها تضحكُ ببراءةٍ وتنسابُ لغتُها كشلالٍ باردٍ في الصيف، ومعها وجهُ صديقي، ظلَّتْ عيناي تضحكان وتدمعان ومنظرُ العصفورِ الأصفرِ الأنيقِ يسكنُهما، ظللتُ أحدِّثُ نفسي كيف لو كنتُ طائرًا يرفرفُ دونما عتابٍ أو لوم؟ عدتُ إلى المشروبِ الذي لم يعد ساخنًا، فقَدَ مشاعرَه فانتقلتْ إلى وريدي، نزعتُ غطاءَه ولم يبقَ فيه سوى القليل، أخذتُ معي قطعةَ الحلوى الدائريةِ ووضعتُها في جيبي، الوقتُ يداهمني وعليَّ المغادرة، أغرقتْ روعةُ المكانِ كلَّ المكانِ بما في ذلك قطعة الحلوى في التي في جيبي، هكذا كنتُ أرى! خشيتُ أن تفضحَ المشاعرُ التي غلفتِ الحلوى جيبَ ثوبي، وصلتُ البيت، أغمضتُ عيني لأستعيدَ مشهدَ الصباحِ الهادئ، حضرَ إلى قاعِ عيني لونُ العصفورِ والشارعُ الممتدُّ والجدرانُ الباسمة، انتصفَ النهار، فتحتُ الشباكَ في الطابقِ الثاني حيث أكون، نظرتُ بعيدًا بعيدًا، كان على آخرِ امتدادِ بصري عصافيرُ هاربةٌ باتجاهِ الظلالِ وبعض السنابل، تمنيتُ أن أهبطَ معها وأضع دفءَ مشاعري حيث رفرفتْ للهبوط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى