قلب لم يغادر العراق

من المؤكد أن الثقافة هي صاحبة القسط الحاسم في تشكيل جوهر الإنسان وسموه، أي أنها تبني الإنسان بناء حقيقيا فيصبح متحضرا يحمل الصفات الإيجابية، فيكون محبا لوطنه وشعبه الساعي لخدمتهما، والحريص على أرواح الناس ومصالحهم وحقوقهم والتواق إلى الوصول بأبناء وطنه إلى مصاف المجتمعات المتقدمة والمرفهة، هذا الإنسان المحب للمعرفة والمحب للعمل المجتهد الأمين النزيه المضحي المتسامح والمنفتح الذي يحب أخاه الإنسان ويحترم الآخر وآراءه وقناعاته، هذا هو زهير الجزائري المثقف والكاتب والروائي والمناضل الذي نحتفي به اليوم في جمعية الأمل العراقية.
ينتمي زهير الجزائري إلى جيل الستينات العراقي ذلك الجيل الذي أحدث خلخلة جمالية في مسيرة الأدب العراقي _حسب وصف أحد الكتاب _، مسيرة حافلة بالتحولات الفنية والتعبيرية والإسلوبية خالقا بتلك الفترة مساحة جديدة ميزته عن بقية الأجيال الأدبية السابقة، والجيل الستيني هذا جيل إشكالي إستطاع أن يكرس آليات ومفاهيم جديدة على مجمل الإبداع الأدبي العربي، إذ يختلف هذا الجيل عن أي عقد آخر من القرن العشرين بإعتبارها مرحلة مهمة في صلب التحولات الكبرى التي شهدها العالم، عاش زهير الجزائري في مدينة حين تنفتح على الآخر تقول أنها مدينة مدنية، مدنيةبكل معنى الكلمة عربية اللسان مفتوحة لإستقبال الوافدين، وصفها الأستاذ الدكتور عبد الحسين شعبان بأنها جامعة كونية، وعلى الرغم من طابعها المحافظ فقد كان الفكرالمنفتح يجد طريقا مبكرا إليها.
زهير الجزائري كاتب يجوب أقاليم الكتابة ومهمته في تطويع الكلمات لتجسيد الأفكار والرؤى والأحلام ليست باليسيرة، فجمال كلماته _حسب أحد الكتاب _لايقدح شرره دونما فكر واقتدار في القول وبراعة في استخدام المفردة لإطلاق موسيقاها الخفية وسحرها الكامن في ذاكرة البشر ومخيلات المبدعين، زهير الجزائري أكثر من ذاكرة وأوسع من مقال.
هذا هو زهير الجزائري الذي قال :
(قبل أن أدخل العشرين صار المقهى بالنسبة لي مكان جدل على عكس الجامع الذي هو مكان إصغاء وطاعة، اجمع الحكايات والأفكار بإنتظار ساعات الغروب لأذهب إلى مقهى “رسول ناجي” في مدخل النجف، كل مغامرات همنغواي وأسئلة دستويفسكي نوقشت في المقهى بعد أن قرأتها في البيت، في بغداد دلني المقهى على الكتب التي ساشتريها واقرأها ثم أعود لأناقشها، الأحاديث تعطيني ماتعجز عنه الكتب)٠
ملحوظة :المقدمة التي قدمت بها الاستاذ الكاتب والروائي زهير الجزائري في جلسة الإحتفاء به يوم الأربعاء الموافق السابع من حزيران سنة ٢٠٢٣ في مقر جمعية الأمل العراقية في النجف الأشرف وكان حوارا ممتعا أجاب فيه الجزائري على جميع أسئلة المقدم والمتلقين من الحضور.