غربة وحنين


بقلم : أميرة خطيري _. المدينة المنورة
أعيش وقت غريب على روحي شاق على جسدي مرهق لعقلي . فقد جرفت العولمة معها من عاداتنا وتقاليدنا الكثير والجميل وشيء من توصيات هدينا النبوي إلى هاوية الغربة بمسمى التطور والحضارة .
لم تعد الأسر كما بالسابق ذات الكيان القوي بمشاعر الود والمحبة بين أفراد أسرتها ولم يعد المجتمع يتطبع بطابعه العربي الأصيل كما في السابق حيث الحكم النبوية وموروثاتها الأخلاقية .
أصبحت أعيش غربة مشاعر , غربة أماكن , غربة ذكريات عزيزة على قلبي . وغربة كيان لمجتمع مترابط كالبنيان المرصوص .
أشتقت لحياة البرآءة والفطرة النقية بكل أشكالها , هوآء دون رائحة الغازات الكيماوية , مياة الشرب من الأبيار الطبيعية , لا معدنية صناعية .
وغذآء من أرض تربتنا الطاهرة الندية , لا مثلجات من الدول الغربية , ومجتمع يرتدي أفراده رداء الحشمة العربية الأصيلة , لا رداء الفحش والمجون البربرية .
كم أشتقت لرؤية نخلاتنا عماتنا الباسقات في كل أرجاء مدينتنا النبوية , شامخات في أعالي السماوات حاملات مميلات لأفضل الثمرات من تمر ورطب وزهوات حمروات طيبات .
وصوت مضخات مياة الآبار تنتشر بصداها في أرجاء البساتين مع بزوغ الفجر فتجري المياه في قناطرها لتسقي أرجائها من شجر وعشب وفاكهة وخضروات .
وتهب نسمات عليلة من الورد والفل حينا , ومن النعناع والدوش واللمام والريحان منعشات . جنة الدنيا عطاء رب السماوات .
أحن الى زيارتنا إلى جبل أحد ( جبل من الجنة ) حيث قصص الغزوات المحمدية والبطولات .
أحن إلى زيارات الأقارب في أوقات الضحوات على البساطة والمودة وأجمل الضحكات كلن بعمره يتبادل الحكايات , وأوقات السحر تحلو بأبيات من الشعر والدانات , يتبادلن إللقائها خالاتنا وعماتنا برفقة الجارات .
أحن لصلاة العيد وتجهيزات إستقباله . ترتيب منزلنا , وملابسنا, وصنع المعمول والغريبة المدينية للمعيدين تقديمات , وأهم تجهيزاتنا شنطة العيد لجمع المعايدات (هه هه ) وحلمنا الجميل لجمع النقود من الزيارات والمعايدات .
ولصلاة العيد (المشهد ) بهجة وفرحة لاتعادلها فرحة . حيث رؤية أهالي مدينتنا في مكان واحد بأجمل هيئة , والسعادة تملأ أعينهم ببلوغهم يوم الفائزين برحمة رب العالمين .
فنشاهد الأطفال كفراش محلق في أرجاء ساحات الحرم الشريف منتظرين لحظات بزوغ الفجر لسماع التكبيرات بدءا بالعيد السعيد .
ويجتمع شعورآن مختلفان بهذا الوقت , شعور بعظمة الشعيرة عند ترديد التهليلات والتكبيرات , والبهجة والسرور بطلوع الشمس ( فتلك أمنية طفولتنا لعدم تمكنا من السهر فجرآ ونحن صغارا)
بصحبة الأهل والأقارب والجيران وتبادل الحلوى وأرق البسمات والتبريكات .
كم كانت جمعتنا ودودة حنونة برفقة والدينا وجميع أفراد أسرتنا حين نقوم بزيارة أقاربنا , وزيارة الأماكن المقدسة وإقامة الصلوات .
كانت بيوتنا صغيرة بمساحتها , كبيرة بأعيننا ورحابة صدورنا وقلوبنا النقية .
وقصة النوم على سطح منزلنا قصة جمال من نوع آخر , بحديث الأخوة عن جمال النجوم وبريقها وإحصاء اعدادها ,وتتبع الهلال حين يصير بدرآ , وتاتي سكرة النوم ويخيم الصمت علينا , ويسرح بصرنا وخيالنا في فضاء الله الفسيح سبحان الخالق العظيم .
وهناك الكثير مما أفتقدناه في بهرجة الحضارة يأخذنا الحنين له بين حين وآخر . وكثيرآ من العادات والتقاليد الجميلة التي ورثناها عن أهلنا فقدت بريقها وبهجتها عندما أندثرطابعها المميز بدعوى التحضر .
(( رباه رجوتك أن تزول غربة أرواح تعيش في أوطانها ))