دموع على موانئ الغربة…الأخيرة


الكاتب فايل المطاعنى
. الرحيل وصلنا إلى مدينة عبري وأقترب الرحيل.و قبل أن أودع صديقى المصري أقترحت عليه أن نتناول وجبة الغداء وبعدها يذهب كل منا إلى طريقه فوافق صديقي. وأنا أتناول طبق المسقعة★ التي أعشقها و قلت لصديقي : هيا أكمل الفصل الأخير من الحكاية فأريد أن أعرف ماذا يريد ضيوفك منك؟
كان صديقي شارد ينظر إلى الشارع وكان الشارع مزدحم في ذلك اليوم رغم أنه يوم إجازة رسمية! وكأن صديقي تذكر مدينته كفر الشيخ ومعالم مدينة فوه وإن كانت مدينة داخل مدينة ولكنها مدينة مزدحمة كعادة حواضر مصر وبعد تفكير قال : فتحت الباب ورأيت والدي وصديق عمره شعرت بالخزي لم أرفع عيني بعين عمي عبدالله ولا أستطعت أن أواجه والدي بل ظلت عيناي تنظر إلى الأرض خجلا وفجأة مسك والدي بيدي وكأنه يحاول كسرها وقال: هذه اليد التي أزهقت روح إنسان و بعثرت أحلام أسرة كنت أتمنى أن تكون يد دكتور تعالج بها أبناء مدينتك و يضغط بقوة على يدي حتي ظننت أنه يريد كسرها وفجأة تركني وبكي بكاء شديد وكان منظر من أقسى المناظر التي مرت علي في حياتي حتي أنني قلت : يا ليتني كنت تراب
.أما عمي عبدالله فكان واقف كالصنم لا يتحرك ودموعه في عيناه كأنها شطأن وأمسك بكتف والدي وقال:يكفي يا عبدالعزيز دعني أخبره بالحقيقة ونظر اللي وقال :اسمع يا بني بفضل من الله وبراعة الدكتور حمدي. تمكن من إنقاذ حياة ابني الطلقة لم تكن قاتلة رغم المسافة القصيرة فلطف الله اكبر بكثير من استهتار البشر ولكن وسكت قليلا و نظر إلى والدي ثم أكمل حديثه قائلا: لا أستطيع أن أعود مثلما كنت معك أنت في نظري قاتل وإن لم تصب الهدف. وأيضا لا أستطيع أن افجع أباك فيكفي همه. ونظر إلى النافذة وقال بحزم وهو يشير إلى نافذة البيت بعد ثلاثة أيام سيقوم أحد الأشخاص بإطلاق النار عليك فهذه عاداتنا،لم يكن حادث عابر ولكن كان إطلاق نار وأبني ذهب ضحية طيشك وعدم مراعاتك لعشرة السنين وسكت وكأنه تذكر شيئا: لا تفكر أن تأتي حاملا كفنك ،لا تجلب العار إلى والدك لربما يشير إليك أحدهم فيقول لك أطلب والسماح. هكذا فعلة سوف تجلب العار لعائلتك كلها و سأكون في حرج فإذا قبلت إعتذارك سيكون عار مدى الدهر وإذا قبلت بقتلك سوف يموت أباك هم وكمد وتنتهي أسرتك وهكذا تكون قضيت على أسرتين.
كنت صامت صمت الأموات وأنا أسمع كلام عمي عبدالله وأن كان فرحي بنجاة صديقي من الموت فرح عظيما ولكن في عرف أهل الصعيد محاولة قتل وكأنها قتل .ولكن حكمها أخف بكثير .وبعد أن أشار والدي إلى زوجتي وبنائي بأن يحضروا وأخذ يقبل بنتي وأبني قال:مصطفي يجب أن ترحل عن مصر .رحيلك سوف يخفف المصيبة ومع الأيام سوف تهدئ النفوس أنا أعرف عمك عبدالله ابن بلد وأصيل ولم يتخلي عني ولكن من يضمن أفراد عائلته ومن ينقذك من جحيم نارهم وهم يشاهدونك ليلا ونهار تمشي في القرية فالاكيد أن الشيطان سيقول لهم: هذا غدر بأبنكم وأخذوا ثاركم منه …ونهض أبي فجأة وهو يستعد للمغادرة قائلا: أذهب إلى عمان هناك صديقي عبدالمنعم سوف يساعدك للعيش . أرحل غدا فأنا لا أضمن لك أن تعيش إلى ما بعد الغد ..ونظر إلى النافذة برعب وخوف الأب على إبنه :مثلما قال عمك عبدالله هناك من يترصد لك .وقال بصوت عاليا: أخرج من مصر ولا تأتي إلا بعد أن تهدئ النفوس ورمي بحقيبة نقود وأوراقي الشخصية وقبل أولادي وخرج دموع الشوق و غربة إبنه تبلل لحيته ..أما عمي عبدالله كان رجلا شجاع قال لي:أنا متنازل عن حقي الحمدلله أن إبني بخير ومن أجل خاطر والدك وصداقة السنين أنا سامحتك بس لا أريد أن أراك امامي مرة أخري وإلا سأقتلك بيدي …أخرج يا ولدي من مصر فمصر لا تسعنا نحن الاثنان يا أنا أو أنا وخرج والدي وبعده العم عبدالله وكان آخر لقاء بيننا والآن أنا لي أربعة عشر عام في عمان لم أذهب إلى مصر مات من مات وبقي من بقاء و لمحت دمعة كبيرة خرجت وتركته وأنا أعلم علم اليقين أن دموع المصري لن تتوقف فمنذ خلق الله المصري ودموعه تذرف على موانئ الغربة
….تمت بحمد الله (عمدة الادب)
★:من الأطباق الشهيرة في مصر خصوصا الاحياء الشعبية