المصطلح اللساني العربي الحديث بين الانتظام والفوضى


مجيب الرحمن الوصابي
نظّمت جمعيّة المعجميّة العربيّة بتونس ندوتها العلمية الوطنية الثانية عشرة للمعجمية حول المصطلح اللساني العربي الحديث بين الانتظام والفوضى التي بدات صباح هذا اليوم التاسع من نوفمبر 2002 وتستمر يومين بنزل الكرمل في العاصمة تونس برئاسة الاستاذ ابراهيم بن مراد رئيس الجمعية وبحضور متميز من الباحثين المتخصصين من داخل تونس وخارجها وتهدف الندوة الى وضع وتأصيل المصطلح اللساني، وواقعه في الخطاب اللساني العربي
، باعتباره من الموضوعات المهمة في اللسانيات العربية الحديثة ؛ وبما يثيره من إشكالات، وخلافات نظرية، وبخاصة بعدما أصبحت اللسانيات الغربية علما مطلوبا في كثير من المجالات، وعليه أصبح الإلمام بالمنظومة المصطلحية اللسانية ضروريا، وكيفية الاستعانة بالمصطلحات التراثية، ذلك أن تراثنا العلمي زاخر بمصطلحات دقيقة وقيمة ،كان لابد لنا من الاستزادة منه، فالاعتماد على هذه المصطلحات قد يغنينا بلا شك عن تعريب المصطلحات، أو ترجمتها، أو استعمالها كما في وردت في لغتها الأم.
لقد شكلت اللسانيات في العصر الحديث ثورة كبيرة خاصة مع مجيء فيردينان دي سوسير، وشهد حقل الألسنية كـمًّا هائلا من المصطلحات والمفاهيم الجديدة. والمصطلح في مفهومه العام، كما يعرِّفه أحمد بوحسون، هو: “كلمة أو مجموعة من الكلمات تتجاور دلالتها اللفظية والمعجمية إلى تأطير تصورات فكرية، وتسميتها في إطار معين، وتقوى على تشخيص وضبط المفاهيم التي تنتجها ممارسة ما في لحظات معينة”).
إن المصطلح اللساني كغيره من المصطلحات الأخرى التي وفدت إلينا يجد نوعاً من الحرج في توظيفه واستعمالاته؛ كونه يخطو اتجاهاً خارج اللغة العربية بعيداً عن الاشتقاق والتوليد من جهة، ومعتمداً على التعريب والترجمة من جهة أخرى.
ويمكن أن ينظر إلى واقع اللسانيات العربية عامة ومصطلحاتها خاصة من خلال مرحلتين من الزمان، امتدت الأولى من صدور كتاب علم اللغة للدكتور “علي عبد الواحد وافي” إلى عقد السبعينيات. على حين امتدت الثانية مع السنوات الأولى من ذلك العقد إلى نهاية القرن العشرين تقريباً.
ويلاحظ أنَّ ما صار يعرف بأزمة المصطلح اللساني ومشكلات الترجمة كان نتاج المرحلة الثانية التي شهدت توسعاً مطرداً اتفق مع توسُّع الدرس اللساني في أوربا وأمريكا مع منتصف القرن العشرين، على عكس الأولى فلم تشهد ذلك؛ إذ “اقتبس الدكتور وافي الكثير من المصطلحات اللسانية في كتابه علم اللغة الصادر عام 1940 ووضع ترجمات صحيحة، نحو: علم اللهجات وعلم المفردات وعلم الدلالة وعلم البنية وعلم الأساليب وعلم أصول الكلمات وعلم الاجتماع اللغوية وعلم النفس اللغوي وعلم اللغة وغير ذلك. وكذلك فعل المؤلفون التالون دون أن تظهر مشكلة المصطلح اللساني لديهم؛ كالدكتور إبراهيم أنيس في كتابه الأصوات اللغوية عام 1947، والدكتور تمام حسان في كتابه مناهج البحث في اللغة عام 1955، والدكتور محمود السعران في كتابه علم اللغة: مقدمة إلى القارئ العربي عام 1962، والدكتور عبد الرحمن أيوب في كتابه أصوات اللغة عام 1963، والدكتور كمال بشر في كتابه علم اللغة العام عام 1970، والدكتور محمود فهمي حجازي في كتبه: علم اللغة بين التراث والمناهج الحديثة عام 1970، وعلم اللغة العربية عام 1973 ومدخل إلى علم اللغة عام 1978
هذا وتشكل المدرسة اللسانية التونسية معينا لا ينضب وتسجل ريادة على المستوى العربي في كل فروع العلوم اللسانية.